عثمان جلال يكتب :٣٠ يونيو والثورة الوظيفية.

الخرطوم :مرايا برس

(أيتها الحرية كم من الجرائم ارتكبت باسمك)
ماري رولان

(1)
انتهى يوم 30 يونيو بمواجهة ونزال بين مجموعتين، الاولى الطبقة البرجوازية الصغيرة التي تناسلت من رحم النظام السابق المباد حيث استثمرت هذه الطبقة علاقاتها الاقليمية والدولية ومع أقطاب المعارضة الداخلية في ازاحة الرئيس السابق البشير من هرم السلطة، حيث نزعت هذه المجموعة لإقصاء الرئيس البشير ثم وراثته بثوب قشيب في الحكم قوامه التطبيع مع إسرائيل والتحالف الاستراتيجي مع المحور الإقليمي والدولي بعد إجراء عملية جراحية بسيطة وترقيعية داخل بنية ومؤسسات الحكم
(2)
الطرف الثاني في ذات المواجهة الطبقة البرجوازية الصغيرة الحاكمة والمتمثلة في القيادة الفوقية لقوى الحرية والتغيير، والتي استثمرت بدهاء ومكر تكتيكي علاقاتها مع أركان النظام السابق، واستراتيجيا مع المحور الإقليمي خاصة دولة الامارات وبعملية مزدوجة أنجزت مهام ازاحة الرئيس البشير، وإقصاء قيادات نظامه التي انقلبت عليه، وطفقت في اجتثاث التيار الإسلامي الوطني العريض من مؤسسات الدولة الوطنية تماهيا مع استراتيجية الدويلة الاقليمية الاقطاعية(وهيهات لهم ذلك)، والتاريخ ماكر ويضمر الشر لمن لا يعتبر منه، بالتالي فإن الطبقة البرجوازية الصغيرة المتمثلة في بعض أركان النظام السابق وقيادات قوى الحرية والتغيير استثمرا في الثورة، والثوار، وشعارات الثورة العظيمة بينما كانا ينزعات لاختزالها في ثورة وظيفية هدفها الاستئثار بالسلطة على النحو الذي تعلمون، فالثورة والثوار منهما برآء .
(3)
إن يوم 30 يونيو لم يكن يوم مواجهة ثنائية وهمية بين مناصري ثورة ديسمبر المجيدة والتيار الإسلامي الوطني العريض (رغم المشاركة الجزئية)، والذي انبهر ببسالته وشجاعته الدكتور منصور خالد حين قال معرضا بالتجمع الوطني الديمقراطي ( وليتهم تعلموا شيئا من الحركة الإسلامية واستماتة انصارها في الجود بالنفس والمال والولد في سبيل ما تؤمن به من قناعات). ان قواعد قوى الحرية والتغيير، والتيار الإسلامي الوطني شركاء في صناعة الثورة السودانية ومحركات حالة الاستقطاب الحادة بين القاعدتين من ذات القيادات الانتهازية هنا وهناك، وان أولويات التيار الإسلامي الوطني في هذه اللحظة التاريخية المحافظة على وحدة السودان، ووحدة النسيج المجتمعي من التشظي القبلي والجهوي، وترميم العلاقة بينه وبين الحاضنة الاجتماعية لقحت والمجتمع، والوصول بأمان إلى ميس الانتخابات، ولذلك فإن 30 يونيو كان يوم البرجوازية الصغيرة المتهافتة على السلطة.
(4)
في اعتقادي أن إنهاء عقلية وسلوك الثورة الوظيفية الذي تمارسه طبقة البرجوازية الصغيرة والمتمثلة في بعض قيادات النظام السابق،وقيادات قوى الحرية والتغيير، لن يتأتى الا بإدارة حوار افقي عميق وبناء وواعي ومستمر بين قاعدة التيار الإسلامي الوطني، وقاعدة قوى الحرية والتغيير، وشباب الثورة، ولجان المقاومة هدفه الضغط على هذه القيادات لانهاء ذهنية الصراع الصفري والوظيفي حول مغانم السلطة باسم الثورة وشعاراتها، ودفعهما للتراضي والتوافق على تشكيل الكتلة التاريخية الوطنية لإنجاز مهام الثورة والبناء الوطني الديمقراطي المستدام. ولكن في حالة الاخفاق في تحقيق هذه الغاية فهل يمكن أن تتلاقى ارادة قاعدة التيار الإسلامي الوطني، والحاضنة الاجتماعية لقوى الحرية والتغيير لتصحيح مهام الثورة السودانية والالتفاف حول قيادات جديدة؟؟ هكذا كانت خصائص الثورات العميقة عبر التاريخ، بروز قيادة جديدة، وفكر جديد،وسلوك سياسي جديد.
(5).
لكن في حالة تعذر تحقق هذه الغائية فإن الخيار الاستراتيجي أمام الاسلاميين هو ضرورة الوحدة في تنظيم سياسي جديد، وانتخاب قيادة جديدة، لاستمرار إدارة الحوار الفكري والسياسي مع الحاضنة الاجتماعية لقوى الحرية والتغيير، وإطلاق حوار عميق وسط كل قطاعات المجتمع في البوادي والحضر، هدفه تجريد القيادة الفوقية لقوى الحرية والتغيير من العمق الاجتماعي الذي تتكيء عليه وعندها ستكون خياراتها اما الاستجابة لاجندة البناء الوطني الديمقراطي ، أو السباحة عكس التاريخ واستمرار عزلتها عن الوجدان المجتمعي وسيكون مصيرها السقوط إذا احالة الثورة إلى استبدادية مدنية والسقوط إذا نزعت لإطالة أمد المرحلة الانتقالية والسقوط في حالة المضي لانتخابات مبكرة، والسقوط في حالة انقضاء المرحلة الانتقالية والذهاب إلى ميس الانتخابات، وفي كل السيناريوهات سيكون السقوط من ذات الرافعة التي تسلقت بها قحت للسلطة وهي المجتمع، وكلما استمرت قحت في الحكم الاحادي الانعزالي كلما تعازلت وتباعدت عن المجتمع، وامتدت أفواج هجرة المجتمع للتيار الإسلامي الوطني .

تعليقات
Loading...