عثمان جلال يكتب : 30 يونيو وتصحيح الأخطاء الإستراتيجية للثورة السودانية.

الخرطوم :مرايا برس

(1)
في يوم غد 30 يونيو 2021 سيصل الصراع والشرخ بين القوى السياسية الوطنية في مرحلة ما بعد انتفاضة ديسمبر 2018 حده الصفري النهائي، بينما تقف المؤسسة العسكرية الوطنية كما عبر قادتها في حالة من الوحدة والتماسك والالتزام بالتحول الديمقراطي وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة عند نهاية المرحلة الانتقالية، وهكذا كانت المؤسسة العسكرية الوطنية في كل لحظة تاريخية تقتضي ترجيح المصلحة الوطنية العليا على الذوات والايديولوجية الحزبية، فانحازت في أكتوبر 1964 لصالح الثورة والتحول الديمقراطي، وهكذا فعلت في أبريل 1985عندما خلعت المرحوم الرئيس النميري لصالح خيارات الشعب، وبلغت المؤسسة العسكرية الوطنية في أبريل 2019 النضج والرشد الوطني عندما ضحت برمزية القائد والمشروع الذي ناجزت عنه بالسنان واللسان لثلاثين عاما للحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي
(2)
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن سلوك الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر 2020 أثبت ذات التماثل من الحكمة والوعي والرشد الوطني، ونبذل النصح لقيادة الحركة الشعبية شمال جناح الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد نور للانضمام لمسيرة السلام، وهذا مدعاة لتصحيح انحرافات الثورة السودانية وترسيخ أن قيم الحوار والتدافع الفكري والسياسي الأصل في إنجاز مهام الثورة وترسيخ قضايا البناء الوطني الديمقراطي المستدام
(3)
المعادلة المقابلة أثبتت حالتي الاخفاق والفشل التاريخي لكل القوى السياسية المدنية في إدارة المراحل الانتقالية ( المرحلة الأولى 1953 إلى 1955، المرحلة الثانية 1964 إلى 1965 والمرحلة الثالثة 1985 إلى 1986 والمرحلة الرابعة الحالية 2019)، لعوامل بنيوية وهيكلية فهذه الأحزاب تتعاطى مع الثورة بحالة القناع والوجه وتعلي الذوات والايديولوجيا الحزبية، وتستبطن عداء للديمقراطية، وتنزع لاختزال قيمها في حديقة الحيوانات (الفأر يلتهم الفأر)
(4)
ولأن المراحل الإنتقالية شرط استراتيجي لنجاح واستدامة المشروع الوطني الديمقراطي فشلت أيضا القوى السياسية الوطنية في إدارة التجارب الديمقراطية الثلاث(التجربة الأولى 1956 إلى 1958، التجربة الثانية 1965 إلى 1969، التجربة الثالثة 1986 إلى 1989)، والسبب عدم إعمال الأحزاب السياسية عند إدارة خلافاتها للأدوات الفكرية والسياسية لاثمار وإنضاج التجربة الديمقراطية (فاقد الشيء لا يعطيه)، ولكنها تركن لأدوات الكسل الفكري،تعبئة كوادرها وقاعدتها الاجتماعية بأن الأيديولوجيا والفكرة في خطر ماحق، ثم توظف جناحها العسكري للسطو على السلطة ليلا، ثم تنزع لإبعاد الجناح العسكري حتى تؤول لها السلطة مدنية محضة وكانت ياعرب على قول البروف عبد الله علي ابراهيم.
(5)
السؤال الاستراتيجي لماذا تحقق النجاح النسبي والمتمثل في بلوغ الانتخابات العامة بعد ثورتي أكتوبر 1964،وأبريل 1985 بينما بلغ الاستقطاب السياسي والمجتمعي حدته خلال الفترة الانتقالية الماثلة وغدت الدولة السودانية على شفا الفوضى والاحتراب الاهلي والانهيار ؟؟ لعل الأسباب تكمن في إدارة المرحلة الانتقالية الأولى بالشراكة والتراضي بين جبهة الهيئات والمؤسسة العسكرية والأحزاب الرئيسية، بينما تمت إدارة المرحلة الانتقالية الثانية بأجسام مهنية وقومية محايدة (التجمع النقابي، والمؤسسة العسكرية)، والعامل الاستراتيجي المشترك في المرحلتين عدم التوغل في القضايا الكبرى من شاكلة الدستور، تحديد النظام السياسي والاقتصادي ، الهوية الثقافية للأمة فهكذا قضايا مصيرية موقعها حكومة شرعية وبرلمان منتخب من قاعدة المجتمع ولذلك ركزت حكومات الاستاذ سر الختم الخليفة، والدكتور الجزولي دفع الله على قضايا السلام والوفاق الوطني والانتخابات.
(6)
لذلك فإن 30 يونيو انتفاضة سلمية وواعية وجسورة هدفها استعادة مشروع وقيم الثورة من نشالي الثورات، 30 يونيو رسالة الأغلبية السياسية والفكرية والاجتماعية إلى المؤسسة العسكرية الوطنية لتصحيح الخطأ الاستراتيجي والمتمثل في اختزال مشروع الثورة والشراكة بينها وبين قوى الحرية والتغيير والتي تشكل دون ال 5 % من القوى السياسية والمجتمعية، 30 يونيو لإنهاء عقلية وحكومة المحاصصات والمغانم والاستجداء والاستقواء بالخارج، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية وتشرع في وضع الترتيبات القانونية الدستورية والتنظيمية لانفاذ الاستحقاق الانتخابي الديمقراطي.
(7)
صفوة القول فإن 30 يونيو بلوغ الاستقطاب الفكري والسياسي الصفري بين الأحزاب السياسية الوطنية أقصى مراحله، ولكن يحدونا الأمل أن يؤسس ويمأسس لبدايات واثقة لحوار مثمر ومنتج بين ذات القوى السياسية غايته إنهاء الصراع الصفري وتشكيل الكتلة التاريخية الوطنية لإنجاز قضايا البناء والوحدة الوطنية، والتحول الديمقراطي في وطن يسع الجميع.

تعليقات
Loading...