على تمام المحبة…إلى معلمي في محبسه الإختياري

أميمة عبدالله.

* هل الحياة معقدةً هكذا دائماً يا يوسف , أم أنني إمرأة يراها الناس ساذجة وحالمة؟.
* غالباً ، هي صعبة و معقدة و كأننا في كبدٍ دائم.
*إذن لماذا لا نغيرها؟.
*لسنا نحن بل ستغيرها أشياءٌ أخرى لا تُرى!.
ومن يومها وأنا انتظر ظهور تلك الأشياء التي لا تُرى.
صدقتك فأنا لم أكذبك يوماً لأنني أحبك يا معلمي و للحب في القلوب صدق خاص وطعمٌ سماوي
وقد حدث ما تنبأت به ، لم يكن إحساسك ضالا و لا شكا عابراً بل كان يقيناً راسخا.
أنا اشتاق إليك الآن ؟ لأنني أشعر بالخوف ولأن الخوف يسيل القلب ويجعله ضعيفا واهناً أحتاج إلى يدٍ قوية.
هل يمكن أن أحكي لك عن حالنا ؟ هل يسمح زمنك ؟
انتشر الخوف وعمّ الفضاء كدخان البعث العظيم ، وصار الناس يموتون في بعض البلدان بالمئات كما الذباب في الحر في كل يوم تخرج الأخبار أن الدفن في حفرة واحدةٍ جماعية ، كيف ستكون أحوالهم في تلك الظلمات المطبقة ؟ وكيف يا ترى حسابهم والله وحده يعلم مافي قلوبهم ، ربما بعضهم آمن بالبعث والقدر ، فالصمت تأمل والمرض ضعف والنهاية كانت واضحة أمامهم بيد أنها مخيفة ، مرعب أن تستشعر الموت قبل أن يأتيك أن تسمع خطواته من خلف حاجز الزجاج واضحة يبعد الأطباء عن طريقه ليدخل إليك في خلوتك ضاغطاً على رئتيك
ياللرعب.
لا أدري يا يوسف لكني افتقد شفقتك الآن وسط كل هذه الأخبار السوداوية ، الخوف شعور قاسي وثقيل والوحدة كذلك ، لذلك نحن نستعيذ من ظلمة القبر ونكثر التسبيح على أصابع أيدينا علّها تنجدنا ساعة الظلمة تلك
هل كنا يا يوسف بحاجة إلى ذلك الفيروس لنفيق من غفوة الحياة وسباق الدنيا ومسرح العبث الدولي و حياكة الخيوط في الظلام ؟ وتخوين ولاة الأمر لأماناتهم وصناعة السم بأيديهم ؟
هل كنا بحاجة إلى أن يموت آلاف الناس ليفيق الحكام من نشوة الحكم ؟ و يفيق الناس من اللهث خلف أخبار نجوم الغناء والكرة و أبطال المسلسلات و قضايا الفراغ والتباري في موضة الأزياء و هوس التعري و شواطئ عطلة الصيف وجواز زواج المثليين و تطوير الفايروسات وتجميدها والإستهزاء بالعلماء ؟ تزينت الأرض حتى ظننا أن ما بعد هذا ترف وزينة ورقص وبهاء
لنفيق هل كان لابد أن ينتشر فيروس في الهواء يعجز الأطباء والعلماء عن كبح انتشاره ومعرفة كنهه؟
يفضح كبرى الدول و يضعها أمام تحد يزلزلها ؟
هل كان ضروريا ليفيق الطغاة من سكرة أنهم بلغوا من القوة منتهاها ؟ ومن العلم أقصاه ، ومن المباهج أكملها
و من الترف حد الملل حد أنهم باتوا يتسلون بمصائر خلق الله وموتاه ينسخون ويزرعون كيفما أرادوا في الأجساد والأعضاء
هل كان ضروريا حتى يتوقف العقل الخبيث عن بث فحيح الظلم بين العباد و الدول أن يأتينا فايروس يعلمنا الخوف والفزع ويجعلنا نقف قليلا لنتأمل ما صنعت أيدينا
قتل المسلمون بعضهم بدمٍ بارد و بكل آلة وطريقة ممكنة دون أن يستمعوا يوما لصوت الرحمة أو نداء الإستغاثة
حروب في كل مكان ، إستهتار بقدسية الأمكنة ،
تنظير في شئون السماء والأرض وظلم عم اليابسة والبحار.
اليمن التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اهلها
أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ
أين اليمن الآن؟ فتنة عظيمة كما النار تسعى بين جبالها.
انتشر فيها المرض ومات أطفالها بالكوليرا و نقص الغذاء حتى بانت الضلوع ، ترملت نساءها ولبست الحداد حتى أنهم صاروا و كأنهم غير مرئيين ، حروب صُنعت لا لشئ ،
و دول الجوار تحكم على عنق اليمن المنكوب قبضتها ، تمتص دمها وكأن دراكولا ييننا تجلب إليها المقاتلين دون أن يرف لها حياء من المولى عز وجل.
أُغلقت مطاراتها ومنعت عنها الإغاثة والعالم كله يتفرج وكان الأمر مجرد فيلم تلفزيوني!.
والقذف مازال مستمرا
بلاد الشام والعراق صارت مسرحا للدول الكِبار العظمى.
أهلها صاروا كومبارس ، مسرح عرائس تتحكم في حركة خيوطه قلة من الطغاة والناس في غيهم يعمهون
هل كان ضرورياً لنعرف قيمة المساجد وصوت الآذان وطمأنينة الشهادة ، ومعنى من بات في سربه آمناً وأن نبحث من جديد عن الطريق نحو الله والنجاة .
صعب جداً شعور الخوف وذلك ما جعل فرعون يستغيث سبعين مرة بموسى ، الله رحيم بيد أننا قد أسرفنا و نسينا.
يتجدد العالم بالكوارث والأوبئة و الحروب العظمى .
الآن العالم يتجدد ويترك جلده القديم، يموت الناس في الدول التي كادت أن تقول أنا ربكم الأعلى دون أن تستطيع فعل شئ و شعوب أخرى تودع بلادها في مشهد يبكي القلب لأنها لم تستطيع أن توقف الفايروس و الموت الساري في طرقاتها.
أعيد ترتيب الدول في نشرات الأخبار ولم يعد وفقا لمؤشر البورصة ولا نتائج المباريات و إجتماعات قادة العالم
بل الترتيب بات وفقا لعدد الوفيات و الإصابات بالفايروس.
يا ربي نحن الآن جزءاً من ذاك المشهد المخيف
نحن نشهد تبدل العالم من حولنا.
يا يوسف ترى كيف حالك في حبسك؟.
هنا في بلادي الدنيا مختلفة و كذلك القصص ، نعيش متأخرين عن بقية الدول ، خارج خط الحياة هنا يمكن أن نموت في جدال عادي في صف وقود او زحمة مخبز أو سرقة أبقار نتتبع آثارها ، تعيش الأبقار ويموت صاحبها ، والمضحك في الأمر أكثر أننا إلى الآن نغضب إن لم نأخذ الثأر و القتيل بقتيل ؟ لا قيمة للقانون والمحاكم و النيابة العامة ، القوة لها الغلبة، والجهل قانونه ساريا.
أو ربما نموت لأننا ننتمي لفئة محددة أو لاقدارٍ جغرافية وأحياناً بسبب لون البشرة ، لأن الناس هنا تصنف وفقاً لذلك ، هنا الناس حمقى لأنهم يظنون أن الإصطفاء والدرجات العلى والحظ الرفيع ليس من حق ذوي البشرة الموغلة في السواد، وأن أيديهم قادرة على إنجاز كل عمل شاق وكأن ليس بها دماء تسيل إن جُرحت أو خُدشت.
أترى يا معلمي كيف نموت هنا!؟
أعرف أنك تعرف كل ذلك لكن لابد أن أقوله ، لأنك حتما تحفظ رسائلي في مكانٍ غير رطب وقد يجدها من بعدك أحفادك
حتى يعرفوا أننا هنا لا نموت بسبب الفايروس المرعب المتنقل في الهواء أو اللاصق أرضا بل لأنه ببساطة لابد أن تحدث مشكلة ولابد أن يموت بعض الناس حتى تشتعل الحرب ويحقق القادة رغباتهم ، نحن نموت لهذه الأسباب هكذا يريد الساسة في بلادنا و يخطط القادة المنفرطون عن بعضهم كما البكتريا
هنا على الأرجح قد نتأخر في غفوتنا زمناً ، ربما يطول وربما نحن بحاجة إلى كارثة أعنف قليلاً من إنتشار فايروسات ، هل انا على خطأ يا معلمي؟
ربما نحن بحاجة إلى إقتتال واسع في وضح النهار ودماء كثيرة وضحايا حتى نبلغ تمام الإستفاقة ، كل هذا يحدث بسبب الحكم ، وكل هذا يحدث لأن جميع المكونات السياسية يرون أن الفرصة الآن مؤاتية كما لم تكن من قبل وأنه لن تأتي فرصة هشاشة في دولتنا كهذه قريباً.
ارجو آلا تنساني في غمرة إنشغالك بنفسك في محبسك الإختياري يا يوسف.

تعليقات
Loading...