على مشارف الوطن

والبلاد بطولها وعرضها ، نيلها العذب و صحرائها ، جبالها ووديانها و بحيرات في أقصى الغرب لا نعرف عنها شيئا ، بواديها وقُراها ، بساطها الأرضي الأخضر و تربتها المؤغلة الخصوبة لا تكاد تبذرها حتى تُنبت
، شلالات و مواسم مختلفة
ومع كل ذلك العطاء الرباني السخي فقر وضنك وسوء حال وعنق أفقٍ خانق
بلادٌ بظلمها وعدلها ، نورها وظلامها ، فجرها المنتظر وليلها المثقل بالهموم ، بيوتها وأكواخها ورواكيبها وكراكيرها ، أماكن فيها لا تصلها الشمس ولا الحياة
هذه البلاد الممتدة والمعقدة
، مجتمعات متداخلة في كل الإتجاهات مع جيرانها من الدول ، عادات مشتركة ، بلادٌ خليط ، من كل شئ قليل . لا نستطيع أن نقول من نحن بالضبط، فنحن مجموعة من الإختلافات الكبيرة ، والثقافات المتعددة ،مختلفين في الأمزجة والعادات و السحنات واللهجات و طريقة اكلنا وشكل بيوتنا و أسواقنا ، وتلك النظرة الضيقة لتصنيف الناس وفق ألوان بشرتها و مظهرها الجسدي و مناطقها الجغرافية ، هذا الأمر يحدث بطرقٍ مختلفة حتى أنها تجذّرت في عقولنا ومع ذلك يتمنى الجميع
– ما عدا قلة – لو انها تختفي ويُصنف الناس وفق إنسانيتهم وحق المواطنة والحياة والأحلام و المستقبل الأخضر
ولقد كرمنا بني ادم وهذا التكريم لكل الأزمان والأمكنة
ما الذي يجمعنا إذا؟
يجمعنا الوطن وإنسانيتنا ، تجمعنا هذه البلاد والنيل والأرض ،
نختلف سياسيا واجتماعيا ودينياً لكن يبقى الرب الواحد والسماء واحدة والبشر هم ذاتهم ، كلنا ناكل ونتعرّق ونتكاثر بالطريقة ذاتها
و العام تلو العام والناس تمضي نحو قبورها والحكايات تُحكى و القصص تحدث و السيرة تبقى ، بعضنا يكترث لحياته فيعيشها بمسؤولية و صدق تحت مظلة السماء
و صبر على المصائب والجروح
وبعضنا تخدعه نفسه الأمارة بالدنيا واهوائها فيسرق ويقتل وينافق ويسعي لشقاء الناس
ليجد نفسه وقد بلغ فجاءة ختام عمره وأن صحيفته بيده
الأوطان كما البشر ، تتمرحل وتتارجح وتواجهها الفتن والمصائب والحروب ويسود فيها الهرج و تنتشر فيها الأكاذيب فلا يعود أحد يصدق أحد، ولا أحد يشعر بماسأة أحد وكأننا في آخر الزمان
يرتفع صوت الجهل ولا دليل ولا قائد و لا صوت حق
الوجوه كالحة و عامة الناس في حيرة من أمرها

ذلك هو ما يحدث الآن عندنا تنتشر الشائعات كما النار في الهشيم و الكل له قول ورأي ، يتدافع الباطل حتى أن الحق يُفسح له المجال، تقاطع مصالح و تحالفات بيت العنكبوت
يموت الناس كما الذباب بلا قيمة في كثير من المدن المهملة ، وتضيع الحقوق ويؤخر القصاص و تتحول التهم إلى تصفية حسابات خاصة وشخصية

في بلدٍ تكثر فيه المآذن وتُزخرف المساجد لكن الدين يُمارس كمظهر أكثر من كونه حياة وسلوك ، ندفع للأغنياء تقربا بالهدايا الثمينة ونبخل على الفقراء المحتاجين بالعشرة جنيهات
بعض البلدان يصيبها الوهن حد الضيق و فقدان الأمل وبلوغ القلوب الحناجر فلا تكاد تلمح الضوء ولا كوة الخلاص ، تضيق فيها الحياة و تتوسع دائرة الفقر ، وتفسد الأخلاق حتى انك تجاهد لتُخرج بالوردة من وسط الأشواك لكن مع ذلك تخرج الورود و يُسقيها السحاب الأبيض المحمل بالخير والمحبة و يرطبها الندى
ويبقى الأمل فينا بقعة ضوء ربما تخرج من صلب الأجيال القادمة

أميمة عبد الله

تعليقات
Loading...