في أدب الرسائل…أميمة عبدالله تكتب:في السادس من أغسطس.

الخرطوم :مرايا برس

يقولون يا يوسف أن
الإنسان سٌر عميق ومشاعره متقلبة كما المواسم
وقلبه على أحوال وميله غير ثابت، والروح وحده الله عز وجل يعلم فضاءها، والقلوب أسرار و خبايا والنفس امارة بالسوء
ومع ذلك سيظل الخير فيه ما بقيت الدنيا.
احوال الناس مختلفة وحال الإنسان التقلب فلا تعجب. فماله إلى زوال وسلطانه إلى نهاية وأفراحه إلى أحزان وحزنه إلى فرح وفقره إلى غنى وهكذا الدنيا.
يقول إبن عربي (أن الإنسان عالم صغير وأن العالم انسان كبير )
فالإنسان يهزمه الشعور بالقهر و ضيق الحال، وفقر اليد ويأكل قلبه الحسد و يتعبه حب المال والجاه والسعي خلف أضواء الدنيا وزيفها ومتابعة أهواء النفس مهلكة لا محالة.
كذلك المجتمعات يهزمها الفقر وضعف المسؤولية و قلة الحيلة و انعدام الرؤية، والمدن التي تتساهل في مواجهة الفقر انما تحكم على نفسها بالانتحار البطيء وذهاب ريحها
لا شك أننا الآن يا يوسف نعيش واقعاً مختلفاً ، أقل تسامحاً و أقل قبولا للآخر
و أكثر قسوة و رغبةً في الانتقام و تصفية التاريخ القديم و الحساب القديم والمواقف القديمة.
كلنا الآن في دائرة الانتقام الجهنمية تحيط بنا كحزام ناري.
أبو ذر الغفاري رضى الله عنه قال
إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك
و أظنها الخطورة هنا في زعزعة الفقر للعقيدة الإيمانية
الفقير يصيبه الشك في عدالة المولى عز وجل عندما يرى كيف يعيش البعض إن لم يكن في ترف ففي فسحة معقولة من العيش ، وقد يقوده إلى التشكيك في القيم الأخلاقية نفسها وعدالة مقاييسها
فطرة الإنسان يا يوسف تميل لمن يوفر له العيش الكريم
حقا إن عبارة الغفاري تنفع لكل الأزمان والأمكنة ، ماذا يعني الإيمان والتأمل في عظمة الكون والسماء والنجوم وأنا جائع أو أتناول من الطعام أرداءه، ماذا تعني الرحمة إن لم تعطيني قطعة خبز وطعام جيد كيف أصوم الشهر العظيم وانا اصلا صائم طيلة العام عن الأكل
لا غرابة إذا اختلت لدي الفقير البنية المعرفية وتزعزعت عقيدته الإيمانية
إن الحرمان والفقر قد يدفع صاحبه إلى سلوك لا ترضاه الفضيلة و لا أجد في ذلك غضاضة فصوت المعدة أقوى من صوت الضمير
ما الذي دعاني للكتابة في هذا الأمر وانت تعيش في مجتمعات غنية همها قضاء عطلة نهاية الأسبوع و متابعة المباريات والموضة وصناعة الافلام والمسلسلات
ربما لأننا في أوقاتٍ كثيرة نشعر بحزن خفي لا ندري مصدره ، أو ربما عتاب للدنيا
أو ذهول من أخبارها
لا فائدة من كثرة الكلام حول صعوبة الحصول على كل شئ ، الجميع يتحدثون والحال يزداد ضنكاً على ضيق وبؤسا على إحباط.
لا فائدة من هذه الدنيا الواسعة والحديث عن مليارات وتطمينات حكومية ومشاريع خارقة إن لم نحس بها نحن الفقراء .
مهما خطط السياسيون ووضعوا برامج فلن يراها الآخرون لأن الهم الشخصي وتدبير حياتنا ولقمة معاشنا تشغلنا
إن عقدوا المؤتمرات وبشروا بضخ مليارات في البنك المركزي ولم يشعر المواطن الفقير بذلك فلا قيمة له.
الفقر يؤذي المجتمع عامة بكل طبقاته لأن مظاهره تكون واضحة في سلوك أفراده وطريقة حياتهم لأنهم أضحوا مسلوبي الإرادة والعزيمة لا رأي لهم وربما لا دين أيضأ
لابد أن يعي أولياء أمر الدولة حجم المسؤولية تجاه مجتمعاتهم التي أفقروها وجعلوها ترزح تحت خط البؤس وضيق الحال والفقر المدقع دون أن يجتهدوا في توفير الحلول بل أصبحوا وكأنهم غير موجودين لقد تم كنس الفقراء في بعض المناطق كما التراب تحت السجادة وبات حاكم المدينة لا يزعج نفسه بهم لأنهم تحت السجادة، وكل ما لا يرى يا يوسف كأنه غير موجود.
لكن تغافل تراب السجادة هذا سيقود إلى تفشي ظاهرة الفقر والتي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة والعنف وهذا هو الأسوأ على الإطلاق وعمالة الأطفال و تعرضهم لأبشع أنواع الإستغلال
والاضطهاد من قِبل الكِبار و حرمانهم من حياتهم الطبيعية
ولو كان الفقر رجلاً لقتلته
يقول أنيس منصور إن الإنسان أمام الأوضاع التي لا يريدها يمر بأربعة مراحل ، مرحلة الغضب، مرحلة السخط ، مرحلة التمرد ثم مرحلة الثورة وهي حق مشروع لهم وذاك حقهم في الحياة
هل تفكر حكومتنا بجدية في القضاء على ظاهرة الفقر ، وأن نحارب الفقر لا الفقراء.
ليس بعقد الورش والمؤتمرات و التوصيات ولا بإعطاء سمكة بل بتعليمهم كيفية اصتيادها كما تقول الحكمة الصينية القديمة
مشاريع صغيرة تساعدهم في تنمية مواردهم حتى يصلوا إلى مرحلة ستر الحال وسد الرمق
بلاد مختلة موازينها و مختلة عدالتها.
من المؤسف أنني سأكتب لك هنا مقولة هتلر زعيم النازيين
في كتابه ( كفاحي ) يقول مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الفقر هو أحد أضلاع المثلث الشهير الذي يضم معه المرض والجهل وإذا ما اجتمع الثلاثة أو تجلى هذا المثلث الثلاثي الأضلاع في مكان ما تأكد أن الشعب أي شعب مهما كانت حضارته وعراقته سوف يكفر بالدولة وآلياتها ونظامها ولسوف تنتحر القيم الوطنية داخل كل إنسان.
احس هنا أنني قد كتبت لك كلاما مشوشا ربما لأنني مشوشة كمن يتهيأ لمقامٍ آخر طال انتظاره.

تعليقات
Loading...