في أدب الرسائل..أميمة عبدالله تكتب :في السابع من أغسطس.

الخرطوم: مرايا برس

سلام عليك يا يوسف ورحمة من الله وبركاته.
أكتب إليك وأنا على متن قطار يسير بسرعة
الوجوه من حولي مطمئنة بعضهم تحجب ملامحه كتاب يرفعه وبعضهم نائم و بعضهم ذهب بصره بعيدا عبر النافذة يراقب سرعة تحرك المشاهد و جفاف الطريق والمدن التي عمرها عشرات السنوات ومازالت كما هي.
بيوت الطين تتخللها بعض العمارات ذات الطابقين كما الكلمة الشاذة ، تشوه معماري
ذات الناس و الملابس و الأرض البور.
وأنا على متن القطار خطر في بالي أن ساعة السفر هذه فرصة جيدة للكتابة لقد انقطعت عنك زمن ، مقعد القطار مريح ومحفز
أحاول ان أتذكر تفاصيل الخطاب السابق وما هي آخر قصة حكيتها
الأيام تمر مسرعة كما سرعة القطار هذا .
كأن الحياة أصبحت فجاءة في عجلة من أمرها
اليوم يمر كما مقدار الساعة تماما
أو كما هي تستعجل النهاية وإسدال الستار
أو كأن الموعد قد حان ولابد من حدوث الكثير من مؤشرات النهاية وقد تبقى القليل من الوقت

أصبحت الأطعمة بلا متعة ، وكل الحكايات التي ادخرتها لأحكيها ، أحسها الآن وكأنها بلا معنى ، ساذجة ولا تصلح لأن تحكيها لطفل حتى
حكايات فقدت قيمتها و تسليتها
كلما رجعت أعوام للوراء يا يوسف أشعر بالأسف و بأنني قد تأخرت كثيرا في فهم تعقيدات الحياة و تحليل الوقائع و أنني قد تعثرت كثيرا و سقطت كثيرا و قمت بصعوبة
و أنا أبحث عن الهواء
وانني قد شعرت بالخوف في أوقات ما كان ينبغي أن أخاف فيها و أنني قد أخطأت اختيار الرفقاء و الناس من حولي و أن مشاعري استهلكت في أشخاص ما كانوا يستحقون مني تحية على شارعٍ عام
ستشعر وقتها وتقول
يا الله كيف انني قد ضيعت سنوات وسنوات
كان من الممكن أن تتجاوز و أن تحرر الأمل الذي في داخلك لتكتسب بعض سعادة
ستكتشف أن الكثير من الحروب والنزاعات التي خضتها والتي سخرت لها كل طاقتك و همتك و وقتك و خططت لها ما كان لها من داعٍ اصلا
عندما تباغتك الأعوام و تبلغ الخمسين ربما أو الستين حتما سترجع بالذكريات للوراء
س تتذكر سنوات الوظيفة و العمل و عجلة الأيام التي دارت وتحالفاتك وقتها لتصير صاحب سلطة
او سنوات التجارة والغنى والسطوة والمال
أو سنوات السلطة والجبروت و أنت ماخوذاً بشبابك معجبا بسنواتك النضرة
كلها سيأتي زمان عليها و تذهب
س ينقضى عهد أوانها و يدخل الحلبة أُناس غيرك
بعد أن تخرج من دائرة الأحداث متعب منهك من المعارك
ستنظر إلى نفسك مذهول و أنت تجرد الحساب
، ياربي كان من الممكن أن أكون شخصا آخر
غير الذي كنت و أن استثمر عمري في اشياء أفضل مما فعلت ، كان من الممكن أن أكون
مفيدا أكثر و غير مؤذي للآخرين
كان من الممكن أن أكون شخصا صادقا متعاونا ودوداٍ متفهما
لا اكذب
و لا أبالغ في الخصام والفجور
وأن أكون مسؤولا ولا اتابع هوى نفسي ورغباتها التي لا تعرف النهاية
أترى يا يوسف، كان من الممكن آلا تصفق للباطل و أن تثق أن اليد الواحدة يمكنها أن تؤاسي الجرحى والمرضى وتربت على المقهورين المستضعفين
وأن الحب والصدق يفعل ما لا يستطيعه المكر والدهاء
وأن النعمة ليست المال والسلطة أنما النعمة في الرضى والإستمتاع بالمتاح والقلب العامر بالمحبة
وأن هنالك دائما خيارات وطريق ثالث ومساحة حرية جميلة
وانه كان من الممكن إلا تنصب نفسك رباً على الناس تحاسبهم على أفعالهم و تحكم عليهم
و تصنفهم و أن تقتنع أن بصرك محدود وفهمك محدود و أن البصيرة يعميها الغرور و يفسدها التعالي
وأن الدنيا امتحانات و أبتلاءات فلا تتذاكى على رب العالمين
أتدري يا يوسف انه يمكنك أن تعطي الحب وأنت أحوج ما تكون إليه وأن تمنح الشفقة و التآزر وقلبك ينزف
تدور الدنيا والأيام وننزل من القطار عندما نصل محطتنا كما استعد انا الآن للنزول
فقد وصلت.

تعليقات
Loading...