في أدب السيرة.. الأستاذ ود الفضل يكتب :محطات في مسيرة الحياة (١٩)

الخرطوم :مرايا برس

في السعودية..
غادرت إلى المملكة العربية السعودية وبعد أسبوعين حضر الأخ مهدي إبراهيم متعاقداً مع وزارة التربية السعودية وقد جمعتنا مدرسة محمد حسين الثانوية لفترة ثلاثة أشهر فقط، ثم ذهبنا لمدرسة (تُول) التي تبعد ٩٠ كلم شمال مدينة جدة على طريق المدينة المنورة واستقر بنا المقام في بيت أحد المواطنين يُدعى دحيش أبو ردة.
في تول علمنا أن حياة السكان تعتمد على صيد الأسماك من البحر الأحمر وأن السمك والارز هما الغذاء الرئيسي.
كما علمنا من شيخ دحيش أن الطريق للمدينة المنورة لم يكن آمناً، وأن الحاج يُقتل وحينما لا يجد القاتل ما يبتغيه يأسف على الطلقة التي قيمتها (قرشين ونصف) ولا يأسف على روح الحاج التي ازهقها.
وكانت قبيلة الحروب التي تنتشر في هذه المنطقة، بين جدة ومكة والمدينة المنورة تنسب لها هذه الظاهرة، ولم تختفي هذه الظاهرة إلا في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي كما ذُكر لنا دعى رؤساء العشائر التي تسكن تلك المنطقة وبعد أن اكرمهم قطّع رؤوسهم وأرسلها إلى عشائرهم وكتب عليها هذا جزاء من يعتدي على حجاج بيت الله، فكانت نهاية تلك الظاهرة.
الأمر الثاني الذي شد انظارنا أن بالقرب من بيت الشيخ دحيش (صندقة) وهي عبارة عن غرفة من الخشب يسكن فيها رجلان كبيران من أفريقيا، فكنا ندعوهما للإفطار معنا في رمضان، فعلمنا منهما أنهما أُختطفا من تشاد وكانا يرعيان غنماً لهما واحضرا إلى هنا ولا يعلمان شيئاً عن اهلهما، وأُعتبرا عبيداً خاضعين للبيع والشراء. وبهذه المناسبة علمنا أن دكة العبيد في باب مكة بجدة كان سوقاً للنخاسة يُباع فيها العبيد في مزادٍ علني، الأنثى بسبعين ألف ريال والذكر بثلاثين ألف ريال، إلى أن ألغى هذه الظاهرة الملك فيصل آل سعود رحمه الله، وقال كل من يسلم عبداً ليصبح حراً يُعطى قيمته.
ولقد ذكر لي أحد إخوتنا الاساتذة السودانيين، الأستاذ (أحمد إدريس) أنهم جاءوا من ريف جدة في انيسة (بولمان) وهم تسعة نفر وتوقفت عند أحد المقاهي لاخذ قسط من الراحة وتناول الطعام فنظر إليهم شيخ سعودي وهو مستلقٍ على كنبة (مركاز) المقهى وقال (والله ثروة تسعة رؤوس) أي تساوي قيمتهم مئتان وسبعون ألف ريال، بحساب ثلاثين ألف لكل رأس.
أدينا العمرة بعد أن استلمنا عملنا بالمدرسة، حيث مكثنا في تُول منتصف رجب وشعبان ورمضان وفي الاسبوع الأخير من رمضان حضر إلينا في تول كل من الأخ أحمد عبدالرحمن محمد والأخ الشهيد محمد صالح عمر، وبعد الإفطار اخبرانا أن معسكراً قد اقامته الجبهة الوطنية بالحبشة لمقاومة النظام الشيوعي في السودان، والمطلوب منكما الالتحاق بذلك المعسكر، فقلنا سمعاً وطاعة، وبعد العيد في المدينة المنورة سوف نغادر مباشرة لاديس أبابا، وكانت كل الإجراءات قد اكتملت فغادرنا والأخ مهدي إبراهيم تاركاً أسرتي برفقة اخ زوجتي الذي كان يعمل معلماََ بمكة رحمه الله، ورعاية الأخ أحمد عبدالرحمن أمد الله في عمره.

تعليقات
Loading...