في أدب السيرة.. الأستاذ ود الفضل يكتب :محطات في مسيرة الحياة

الخرطوم :مرايا برس

خروج الإمام من الجزيرة..
في هذا الحصار من الشرق مقابل الجاسر ومن الغرب أيضا، كان لابد من خروج الإمام وقد تشكلت قوة من حوالي ستين مجاهدا بقيادة الأخ محمد صالح عمر والأخ مهدي إبراهيم وكان هدفهم قطع التيار الكهربائي حتى تتاح الفرصة للامام للخروج ولما فشل قطع التيار لجأت القوة لاشعال الحريق في اقطان محلج ربك مما مكن الإمام ومرافقوه من الخروج من الجزيرة والتوجه نحو المعسكر بالردوك باثيوبيا. فلما وصلت الجماعه لخور أحمر وعبر الامام الحدود احاطت جماعة من اهل القرية باخوتنا مرافقي الإمام وحجزوهم عن مواصلة السير مع الإمام.
وفي ذلك المكان دارت معركة غير متكافئة بين الإمام وخاله وحرسه مع قوة قدمت من الكرمك يقودها الضابط الاداري للمحليه، استشهد فيها الامام وخاله واعتقل بقية المرافقين.
أما القوة التي ساعدت الامام ومرافقيه على الخروج من الجزيرة أبا التي استبيحت بعد ذلك فقد استشهد قائدها الاخ محمد صالح عمر ومن معه ونجا منهم الاخ مهدي ابراهيم بأعجوبة. ولعله يكتب عن هذا الحدث التاريخي الذي يجسد وفاء اخواننا للقائد الشهيد الإمام الهادي.
بخروج الأخ مهدي إبراهيم كما اسلفنا عبر الكرمك حيث استقبلته مع الشريف بدول الحبشية تكون محاولة المعارضة للانقضاض على نظام مايو من اثيوبيا قد انتهت إلى نتيجة مؤسفة وبها انتهى معسكر جبل الردوك الذي كانت تعلق عليه آمال كبيرة لولا تصرفات شخصية وقرارات لم تخضع لشورى كانت السبب فيما وصل اليه الأمر.
وبعد هذه الاحداث غير المحسوبة والنتائج المؤسفة تحركنا تاركين جبل الردوك صوب اصوصا ومنها إلى أديس أبابا بالعربات حيث استراحة مدام مركه MADAM MARIKA والتي مكثنا فيها أياماً قبل أن يتوجه كل منا إلى من حيث أتى _السودان والسعودية.
رجعت والأخ مهدي إلى جدة ولم يكن استيعابنا في وظائفنا كمعلمين بالأمر الميسور لولا تعليمات الشهيد الملك فيصل رحمه الله. وكان رأيه ان نعطى حق اللجوء السياسي للتمتع بالحماية والرعاية ولكن الشريف حسين رحمه الله قد رفض ذلك وفضل ان نظل نؤدي عملنا كمعلمين ونتمتع بحريتنا في تحركنا داخل المملكة وقد قصد الشريف من ذلك أن تتاح لنا الفرصة بالاتصال بالحجاج والمعتمرين من السودان لتنشيط عمل المعارضة بالداخل .
وكان نتيجة ذلك أن تحول معسكر جعفر أكبر بمنى إلى ملتقى لكل كوادر المعارضة من السودان وخارجه. القاصدين الحج _كما تيسر اللقاء بالمعتمرين في دورنا.
بعد رجوعنا الى جدة أنا والاخ مهدي إبراهيم حدث الانقلابان بالسودان الأول في ١٩٧١/٧/١٩م وقد قام به الحزب الشيوعي بقيادة هاشم العطا ولكنه اجهض بعد اثنين وسبعين ساعة من وقوعه.
والثاني انقلاب بقيادة المقدم حسن حسين عام ١٩٧٥م ولكنه اجهز في حينه واعدم قائده وشلة من معاونيه منهم احيمر وبرشم وشامي.
كان الانقلاب الشيوعي أخطر الحدثين لمعرفتنا بخبث الشيوعيين ومكرهم ودمويتهم فتملكنا الاشفاق على أهل السودان عامة وعلى اخوتنا خاصة، ونحن في الحرم نتجاذب اطراف الحديث في هذا الأمر إذ قال السيد اسحاق الخليفة شريف: لا تشفقوا فإن الشيوعيين لن يحكموا السودان وعندما سألناه قائلين ان النميري في قبضتهم وعدد من القياديين بالسجون قال:”السودان يقع في ظل الكعبة ولن يحكمه شيوعي “وصدقت نبوءة السيد إسحاق فقد اطيح بالانقلاب بعد ٧٢ ساعة تأكيداً لما قاله السيد إسحاق وبالتدخل المباشر للمملكه بإسقاطها بجده للطائرة العراقية التي تحمل قياديِّي البعث لدعم الانقلاب الشيوعي وكذلك بالتدخل المباشر لليبيا القذافي التي اجبرت طائرة الخطوط البريطانية على الهبوط في مطار طرابلس حيث انزل فيها كل من فاروق حمدالله وبابكر النور عضوا مجلس الثوار الجديد والذين سلما للنميري فأعدمهما كما اعدم قيادة الحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وآخرين بعد ان قاموا بتصفية اكثر من سبعين من كبار ضباط القوات المسلحة بدم بارد الذين كانو رهن الاعتقال ببيت الضيافه.
بعد أن تم القضاء على الانقلاب الشيوعي حضر النميري للسعودية معتمرا فطلبت السفارة السودانية من السعوديين إخراج المعارضة السودانية من الحرم المكي والحرم المدني وجدة خوفا على حياة النميري من عمليه فدائية تقوم بها لاغتياله، ولكن كما حدث للإخوان المصريين الذين نقلوا للطائف عند زيارة عبدالناصر للمملكة. ولكن الملك فيصل رحمه الله رفض وقال:ليس ذلك من خلق السودانيين ولا طبعهم. فقالت السفارة ان لم يكن كلهم فلا بد من التحفظ على كل من مهدي إبراهيم ومحمد أحمد الفضل لانهما يائسين من الحياة وربما اعتديا على الرئيس نميري ونتيجة لتخوف السفارة فقد تحفظ على الاخ مهدي بجدة وكنت حينها بالمدينة فتم التحفظ عليّ بها وكان ذلك في احد الفنادق بمرافقة شرطي بملابس مدنية إلى ان غادرت طائرة النميري فأطلق سراحنا.
في أثناء وجودنا بجدة استقلت من وزارة التعليم والتحقت بالخطوط السعودية مدربا ثم بجامعة الملك عبدالعزيز منتسباً بكليه الاقتصاد وقد مكثت بها سنتان قبل ان نغادر المملكة إلى لندن مبعدين في فبراير ١٩٧٧م .

تعليقات
Loading...