في أدب السيرة.. الأستاذ ود الفضل يكتب :محطات في مسيرة الحياة (٣٥)

الخرطوم :مرايا برس

الخرطوم :مرايا برس 

في رحاب الإنقاذ..
بعد التأييد الشعبي الكاسح الذي لقيته الإنقاذ وبعد مؤتمرات الحوار حول قضايا السلام التي عقدتها في شهورها الأولى والتي شارك فيها عدد مقدر من أصحاب الاختصاص ومن القيادات المجتمعية والمثقفين والمفكرين دون عزل لأحد بهدف الوصول إلى رؤية تكون مرجعية تساعد في التخطيط للكيفية التي يحكم بها السودان. وبعد الطواف على بعض الدول العربية الذي كُلفت به للالتقاء بالاسلاميين لتوضيح هوية التغيير واسبابه واهدافه، آثرت العودة لمسقط رأسي قرية البرسي الفضل شرق سنار لترتيب بعض شؤوني الخاصة، فقد كنت قد أسست مزرعة وأهلتها لزراعة الموز والخضروات بجانب تربية أعداد من الماشية، وقد كنت مشغولا بالرعاية والتأهيل والإشراف على ما أملك من أسباب الاستقرار بقريتي، فإذا بي اسمع اسمي من خلال المذياع مكلفاً بمنصب نائباً لوالي ولاية كردفان الكبرى وزيرا للمالية وكان ذلك في مستهل شهر فبراير من العام ١٩٩١م، وبعد تقسيم السودان لتسع ولايات وتفعيل قوانين الشريعة الإسلامية التي شرعت حكومة الصادق المهدي في إلغائها قبل أن يطيح بها انقلاب الإنقاذ الوطني.
مع اللواء طيار فيصل مدني مختار..
كان الوالي لولاية كردفان الكبرى هو اللواء طيار فيصل مدني مختار عضو مجلس قيادة الثورة، والذي التقيته لأول مرة بمنزله للتعارف بحضور الأخ ابن عمر محمد أحمد، ثم التقيت بالاخ علي عثمان محمد طه بمكتبه للتفاكر في أمر التكليف وموجباته. بعد هذين اللقاءين توجهت للابيض عاصمة الولاية، وكانت آثار الجفاف والتصحر بادية على طول الطريق من كوستي إلى الأبيض وقد هالني أن التصحر والجفاف لم يكن فقط على الأرض وإنما ضرب المباني الحكومية ومكاتبها لما كان يبدو عليها من أثر البؤس كأن يد الصيانة والتأهيل لم تمسها منذ سنين عددا. لقد كان ملفتاً للنظر تردي بيئة العمل في المكاتب والمساكن الحكومية، وضعف الموارد المالية لضعف وسائل التحصيل والمتابعة، وآثار الجفاف والتصحر على ولاية موردها الرئيسي من الزراعة والثروة الحيوانية، هذا بجانب مشاكل العطش فالحفائر والترد التي يعتمد عليها سكان الولاية لم تكن بها قطرة ماء من شهر سبتمبر عام ١٩٩٠م. ومشاكل المجاعة التي ألجأت الناس لأكل الكرسان لقلة وغلاء الوارد من الذرة إلى زريبة المحصول من سنار وكوستي من الذرة، إذ بلغ سعر ملوة الذرة مائة وعشرين جنيهاً لم تكن في استطاعة الكثيرين على مستوى مدينة الأبيض عاصمة الولاية. إضافة لمشكلة الأمن بسبب المجاعة وضعف إمكانات القوات النظامية وتهديد التمرد الذي تمركز في جبال تلشي وانعكاس ذلك على حياة المواطنين، ولم يكن هذا التهديد خاص بعاصمة الولاية فقط، فكان الابتلاء عاماً منذ أن ضرب الجفاف والتصحر ربوع السودان في أواخر الثمانينات والتسعينات كالذي حدث في عامي ٨٤ – ٨٥ ومهما بذلنا من جهود فما لم تتداركنا عناية الله فهي كارثة محققة تقضي على النبات والانسان والحيوان عطشاً وجوعاً. انتصبت امامنا هذه المشاكل الخمس.
نواصل

تعليقات
Loading...