الرفيع بشير الشفيع يكتب :لماذا فشل اليسار والغرب لتنفيذ المشروع العلماني في السودان

الخرطوم :مرايا برس

أهني الأحزاب اليسارية (مجتمعة مع بعض قادة الاحزاب التلقيدية) بقيادة المايسترو، الحزب الشيوعي العجوز ، لفشلها في رسم خارطة طريق سياسية مناسبة لوضع اليد على السودان وبموجهات سياسية عملت على تجيير الخطاب السياسي العام، لصالح المشروع العلماني، الفاشل عمليا وإعلاميا واجتماعيا وسياسيا أيضا، منذ إعلان اليسار نفسه ، الحرب على الدين والوطن منذ ١٩٨٣م ، في الخارج والداخل لتنفيذ مشروع علماني كما هو مخطط له من الخارج، وقد أسست إدارة يسارية متكاملة في الخارج ، وجندت لخدمته ، إعلاميا وماديا ولوجستيا ومعنويا ، مئات المؤسسات والمنظمات العالمية لدعمه منذ ١٩٨٣ ، تحت غطاء دعم الجنوب لنيل إستقلاله ، وبعد اسبوع واحد بعد فصل الجنوب في ٢٠١١ ، لنقل مشروع التقسيم والعلمنة للشمال معتمدين على صقور اليسار الشمالي بعد تمليعهم وشيطنة جيل كامل منئذ لكي يلعب دور وقود لتلك الثورة، كما أهنيهم لفشلهم في رسم معالم تلك الثورة ونجاحها ، وإحفاقهم إدارة الوطن، وعدم المحافظة على سيادته وقيمه وبقاه.

فعلى الرغم من نجاح الحزب الشيوعي ومن خلفه أحزاب اليسار مجتمعة في تجيير ما يسمى ثورة في ٢٠١٩ ، إعلاميا، برفع شعاراته وتعلية سقف مطالبه من خلالها وإدارتها تعبوياً ومعنويا بهذه الصورة السالبة ،؛ بحيث إفترض وفرض واقع اعلامي ( ترهيبي وتخويفي واستفزازي) نابيء جدا ، واستطاع بواسطة مكونه المدني العلماني أن يخطو بالسودان خطوات كبيرة جداً ومتسارعة نحو الهاوية ، وقد لعب الحزب الشيوعي فيه دور المايسترو السياسي لمحاولة تنفيذ مخططات المشروع بدئا بتنفيذ سلام جوبا ( العجول)، وفشل كل ما نتج عنه، من خلال تنفيذ الوثيقة الدستورية ، ثم تمكين الحركات المسلحة التي ( ناضلت!!!) حاربت السودان الشمالي وشريعته وإثنيته منذ ٢٠٠٣ ، ولحقت بحركة (تحرير السودان الجنوبية +اليسارية)، ونجحوا في إدخال بعثة الأمم المتحدة وفرضها من بوابة السودان بصورة ناعمة من خلال وساطات سياسية ولعب دور الحمل الوديع وإبتسامات الليث.

نجحت احزاب اليسار في تلقين المتحدثين خطاب المشروع بدئا ب(كل كوز ندوسو دوس ، ومرورا بكل الإستفزازات الجهوية والإثنية والمناطقية ، والأخلاقية ، والفكرية والمناهجية ، وانتهاءا ب ( إلا المؤتمر الوطني)، في رسالة واضحة لفرض ما يريد ، ضد إرادة الشعبية الغالبة ، ديمقراطيا وفكريا وأخلاقيا ودينيا ، في محاولة منه لإلغاء كل تلك الغلبة بين عشية وضحاها ( في فترة انتقالية قصيرة).

نجحت احزاب اليسار في الفشل وفي (درفسة) معالم الطريق كرهاً وإدارة الفترة الانتقالية ( مدنيا) كما يحلو لها الفشل وكما هو مخطط له، وقد أجبرت من حيث لا تريد ولا تدري ، المكون العسكري ( الحليف) ليتولى إدارة بقية الفترة الإنتقالية، ولكنها استغلت ذلك ايضا للترويج له كإنقلاب، وهو في مفهوم القوات الامنية (تغيير) ، لكن اليسار يكاد ينجح في الإستفادة من الترويج لهذا التغيير على أنه (إنقلاب عسكري)، عالميا ، وهذه العبارة ( انقلاب عسكري) تشيطن تماما جنان الحليف الخارجي بقيادة الولايات المتحدة ، حيث طار صقور اليسار مرة اخرى لأوكار الشيطنة ، لكي يجيشها للقضاء على دور الجيش وبقية القوات الأمنية ( العقبة الكؤود) أمام اليسار لكي يواصل تنفيذ مشروعه كاملاً بعد عودته ( المؤملة) من الصقور كما رسم لها.

وعلى الرغم من الفشل ما قبل ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، وعلى الرغم من تبني القوات الأمنية مواصلة مشوار الفترة الانتقالية ، وعلى الرغم من بعثرة عش دبابير (اربعة) أقوى الصقور اليسارية، وإدخالهم الحبس ( حيث صوروا انفسهم أبطال ، ولكنهم ضحايا للعسكر الحليف الذي (خانهم) بإلإنقلاب كما صوره للغرب وفولكر ، وعلى الرغم من مسرحية فولكر الخديج في الخوار ( الفاصلة) في المشروع ، وعلى الرغم من تأجيل ذلك الخوار ، وعلى الرغم من إعلان القوات العسكرية عن قيام الانتخابات في وقتها ، فإن اليسار ما زال يرسم خارطة الطريق الكلية، بصورة مستحية ، بمرآءاة الجيش بطابع الوجه الحسن ، وممارسة ( العصا والجزرة والمخادعة والتقية ، ووش القباحة والدبلوماسية) لما بعد حوار فولكر ، حتى يبقي اليسار ويفرض وجوده ولو بأضعف الإيمان ، وربما اختار الرجوع مرة اخرى للتحالف ( المدني – العسكري)، وهو الذي انهى ذلك الحلف ( غباءا وشفقة) في محاولة منه لينهي دور الجيش والدعم السريع وبقية القوات الأمنية، التي يبدو انها كانت تعي طبيعة ونفسيات وألأعيب اليسار وعرفت كيف تتعامل معها بروح مطاطية مناسبة ، حتى تخرج السودان من الحرب الفاصلة و(عرقنة ولبينة ويمننة السودان)

نجحت أحزاب اليسار أيضا ، بالإبقاء على شرارة الشارع تخبو أحيانا وتومض احيانا اخرى ، وجعلها ثقافة وجدول أعمال تمثل رمزا وحساً هاما جدا لمواصلة الحريق.

*يبدو أيضا، أن ظن الغرب في صناعة فوضى خلاقة ، وربيع عربي أو فرض حرب أهلية ، لتنفيذ مشروعه العلماني التقسيمي في السودان عبر اليسار السوداني قد فشل ولأسباب كثيرة ، منها*:-

١- السودان إثنيا ليس بلدا عربيا خالصا وهو بلد خلاسي الإثنية والهوية( الغابة والصحراء).

٢- الطبيعة البشرية السودانية المتجانسة وجدانيا والمتداخلة الأنساب والمتناسلة الأذواق والمتصلة الآدب والثقافة بين اجياله ، مع مطاطية الروح السودانية وتصبرها على الآخر ، والقابلية في الإصلاح وروح التسامح السوداني التي لا يعرفها اليسار (بغربته الثقافية)، وبالطبع لا يعرفها فولكر ولا بن لباد ولا الغرب ولا الدول العربية ، تجعل من الصعب جدا إختراق البنية الإجتماعية ، والفطرة والتدين والأخلاق للشعب السودان لصناعة حرب أهلية تسمح بتنفيذ مشروع اليسار والغرب.

٣- الفشل الذريع والإحباط المريع الذي حدث لليسار بقيادة الحزب الشيوعي ، جراء رفض الشعب لمشروع العلمانية ؛ بطبيعة الشعب وفطرته المتدينه وتدينه وثقافته الأخلاقية وقوام المجتمعي ، والحس الشعبي المتماسك ، العام في رفض السوء ، ورفض الشرك والإلحاد والمجون والخلاعة ، لشعب ذاق طعم ونبل وحلاوة الإيمان ، والطمانينة والأمان والدعة في ظل بيئة متدينة لفترة طويلة منذ ١٩٨٣م ، أفشل مشروع الغرب في صناعة الفوضى الخلاقة التي تبناها اليسار بعد انفصال الجنوب مباشرة ، حتى بلغ في نجاحه ( تجيير ما يسمى بالثورة)، التي لا تقل إحمرارا عن ثورة مايو.

٤- الوعي السياسي السوداني الناضج عند خصوم اليسار وخصوم مشروعه السياسي ، العلماني ، الغربي ، والوعي بتاريخ وعذابات الإستعمار ، والوعي التديني و المجتمعي الأخلاقي والإرث المحافظ ، والتربية الدينية والرفاه والأمان الذي مر على السودان ، مع الخطاب المنطقي ، البليغ لخصوم اليسار والذي أصبح يمثل مجموع كتلة عريضة جدا من المسلمين جميعا ، إخوان وصوفية وسلفية وقواعد كل الأحزاب التقليدية والشعب المسلم اللأ منتمي)، أصبح كلها حوائط صد للمشروع العلماني اليساري ، على الرغم من الإختراقات للمجتمع المسلم ، في أسره ومدارسه وجامعاته ومؤسساته، وبعض قيادات الأحزاب التقليدية وغيرها ،؛وبعض ادارات وقيادات أهلية وفئوية ( نقابات وتجمعات ولجان مقاومة )، إلا أن محصلة ذلك الوعي ، أفشل المشروع اليساري ، الغربي ، العلماني ، بصورة واضحة جدا (داخليا).

٥- إعتماد اليسار على الخارج وخصوصا الغرب ، بتاريخه الإستعماري ، القسري ، والإستغلالي وتاريخه الدموي وانتهابه لخيرات السودان من قبل وانتهاكه حريات الشعب ، مقابل عزة الشعب وكرامته ودفاعه عن دينه وأخلاقه، جعل من الصعب تنفيذ مشروع ما بعد انفصال الجنوب وهو مشروع ضخم يؤدي لتقسيم السودان وانتهاك سيادته و حرماته ومسحه من الوجود ، وفق الوعي الشعبي.

٦- الخطاب اليساري الجاهل والمجحف جدا والمحارب، ومحاولات استفزاز أكبر وأهم القبائل في السودان من خلال ثغرة الهوية والإثنية والتي يستخدمها اليسار منذ اربعين عام تقريبا، كانت تصب لصالح المزيد من الوحدة والتماسك بين الشعب أضافت قيمة لمزيد من الوعي في تدارك خطر المشروع اليساري.

كل هذا وذاك أدى والى الآن لفشل المخطط اليساري ومثلت الفترة الإنتقالية درسا وطنيا ودينا واجتماعيا عظيما ، أدرك الشعب من تلقيه ومن ممارسا اليسار المسنود بالغرب ، درسا عظيماً ، وهدية قيمة جدا ، وجلب خيراً كثير للسودان والسودانيين ، بعد أن كرهوا شيئا عظيما متمثلا في ما يسمى بثورة ٢٠١٩ وتجربة اليسار الغربي.

قال تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرٌ لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) صدق الله العظيم 

تعليقات
Loading...