مالك طه يكتب : روضة الحاج..(مين لي سماك يطول)!.

الخرطوم :مرايا برس

ليس هناك من يجهل مكانة روضة الحاج الأدبية حتى تحتاج إلى تنويه، هي في حالق تتربع على ذروة يرنو إلى عليائها أرباب الفصاحة والبيان
تفردت دون غيرها من بنات جنسها ، بأن خلع عليها الشعراء في سوق الشعر الأعظم(عكاظ)بردة القصيد
-ولم تكن منه بالمتجردة- فكانت هي بردته التي بها يتزين القصيد ويتحلى..
وليس ثمة شاعرة قبلها من بنات السودان من اصغى لها الزمان، وألقى سمعه في سوق عكاظ، لم يحدث وربما لن.
في ساحات القضاء وميادين الاختصام، وعند تقديم الحجج والبراهين، لا يحتاجون احيانا إلى بينة او إثبات، وإنما يكتفون بما تعارفوا عليه واشتهر عندهم ب(العلم القضائي).
روضة مثل ذلك في عالم الأدب والشعر، هي من المعلوم بالاختيار والضرورة، دخلت-بشعرها- المنتديات والإذاعات والصحف والقنوات، وسما قدرها بما لا تطاله الاقدام الوضيعة والأقلام الصغيرة.
وفاض ادبها على قومها، واكتال منه اهل الخليج والمحيط بالنصيب الاوفى ، ولا يسع ناقد او كاتب وهو يكتب عن الشعر بعامة او عن الظاهرة النسوية فيه بخاصة، ان يعمي عن هذا الاسم أو ان يعشى.
ولن يسع مؤرخا ادبيا -كائنا من كان- أن يضع روضة الحاج وأعمالها الادبية في عتمة ما اهمله التاريخ.
قالوا في تفسير قوله تعالى (وليس الذكر كالأنثى) ان في الآية إشارة إلى فضل مريم الانثى على الذكور، خلافا لمن يتوهم انها تدل مطلقا على أفضلية الذكر على الانثى.
راق لي هذا الوجه من التفسير وقد وافق لي ان زرت القاهرة في رفقة محمودة من الدبلوماسيين ورجال الاعمال والاعلاميين والمطربين يمثلون وفدا شعبيا قصد الكنانة ذات عام لتلطيف الجو العاكر بين الخرطوم والقاهرة،
لا يماري أحد في إبانة المصريين، يولد الواحد منهم ولسانه مفتوق، فليس بين عوامهم عيي دعك من النخب، لقد برعوا في التعبير وكادوا يحتكرون ادواته الشخصية والمؤسسية.
بهذه الملاحظة العابرة دخل وفدنا إلى مبنى الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بعراقتها وشموخها ورموزها التاريخية صلاح سالم، عصمت عبدالمجيد، محمد حسن الزيات، صفوت الشريف، ممدوح البلتاجي.
كانت قاعة هيئة الاستعلامات غاصة بالحضور من الجانب المصري تسبقهم صفاتهم الوظيفية والقابهم العلمية ولهم ولع بذلك، يقدم الواحد منهم نفسه بعد ذكر صفته(الاستاذ الدكتور) ويفخمون حرف الراء حتى يضفي على اللقب هيبة وإجلال.
كان في وفدنا انجم زاهرة من الدبلوماسيين والاعلاميين، ولكن لم يكن معنا غير روضة لنتقي بها فصاحة المصريين، ويعتدل بها ميزان اللقاء.
تحدثت روضة عن مصر قبل ان تتحدث عن السودان، وما كان لها ان تفعل ذلك لولا أنها أرادت أن تثبت للحضور أنها تعلم ما يعلمون عن بلدهم وما لا يعلمون أيضا.
كانت تلك حالة أشبه بعنوان وضعته إحدى الصحف الخليجية عند وفاة البروفيسور عبدالله الطيب(مات مرشد العرب إلى ديوان شعرهم) هذا ما فعلته روضة بالقوم هناك، ارشدتهم إلى ما عندهم من معارف وما لديهم من مكانة، ثم حدثتهم عن ما عندنا .
بمحي بيانها الوضاح، احكمت روضة السيطرة على المكان، ثم شرقت وغربت في التاريخ والأدب، وبدت من الحاضر وانتهت إلى غابر الأزمان.
كان حديثها فخيما، ينساب منها كأنها تقرأه، تنتخب من الكلمات أفضلها، ومن العبارات اجزلها، ومن الأخبار اصدقها.
وما ان زايلت المنصة، وآل الحديث إلى غيرها حتى بدا كلام الرجال بعدها خداج واجاج، ولم يكن حظ من سبقها بأوفر ممن جاء بعدها في الحديث، لقد انتسخ ما قالوا.
كان اللقاء فخرا ونصرا ردت به السمراء بنت الحاج إلى موطنها من الاعتبار ما عوضنا عن خيباتنا الرياضية والثقافية والعلمية والسياسية أمام اشقائنا المصريين.
كنا نثق في قدرة روضة على اعتدال الميزان ونقلنا من خانة الخسران، ففعلت، ثم إذا بها تضعنا بعد ذلك في خانة الرجحان.
تدافع الحضور من قادة الهيئة بعد اللقاء نحو روضة وهم يقدمون لها بطاقاتهم التعريفية بتقدير ، وكأنهم السفراء والمناديب يقدمون أوراق اعتمادهم للرؤساء والملوك.
خرجنا من اللقاء وقد سمونا بروضة وسما بها السودان الذي تسكنه ويسكنها.
ما أقبح السياسة التي اغرت البعض بالتطاول هذه الأيام على السمراء بنت الحاج،
وما أحلم روضة، يهبونها المواجع وهي تهبهم بديع القريض.

تعليقات
Loading...