مالك محمد طه يكتب :الوزير(المتنبئ).

الخرطوم :مرايا برس

التقديرات الجزافية التي كان الوزير يحدد بها موعد انتهاء قطوعات الكهرباء والتي تبين لاحقا انها خاطئة، أوضحت أن منهج الوزارة- لا الوزير وحده-اقرب إلى طريقة(الخرص)التي يتبعها المزارع التقليدي في تقدير الإنتاج.
عندما حدد الوزير وقتا لانتهاء القطوعات، كانت النتيجة عودتها بصورة أكثر قسوة، ثم اكتشف بعد(كم تصريح) ان القطوعات لن تنتهي إلا بعد توفير 3 مليار دولار(قد يصدر تصريح آخر بزيادة المبلغ ).
الوزير استند في تنبؤاته-دون شك- على التقارير الفنية التي تسلمها من المختصين في وزارته، وهنا يتضح أيضا أن الضعف ليس في انتاج الكهرباء فقط ولكن الضعف في الكادر إذا كان لا يعرف كم نحتاج من الوقت والطاقة حتى ننعم بتيار مستقر.
ليست هذه نقطة الإخفاق الوحيدة في قضية الكهرباء، انما يضاف إليها ان الوزير عجز عن المحافظة على الإنتاج الكبير نسبيا (الموروث من النظام البائد) ،ولو زعم وزراء الانتقالية كلهم أنهم ورثوا وضعا صعبا في ما يليهم من مهام، فإن الكهرباء بخلاف ذلك، إذ ورث وزيرها بنية تحتية وكادر بشري مدرب، ونظام اداري منضبط، وتنوع في مصادر الإنتاج.
ما حدث في الكهرباء من تراجع مخجل في الإنتاج هو نتيجة منطقية لتشريد المؤهلين والمدربين بدعوى محاربة التمكين، وانعكاس طبيعي لمكانة الكهرباء ومنزلتها عند الحكومة الانتقالية.
الكهرباء طاقة محركة لكل شيء يتم إنتاجه واستهلاكه في هذا العالم، هي أكبر من مجرد تيار كهربائي يتم توصيله للقطاع السكني وتتم معالجة انقطاعه باعتذار من وزير مجلس الوزراء .
ان التحضر والرقي ليس في الاعتذار للمواطنين عن توفير الكهرباء، ولكن التحضر في توفيرها.
قد يتفاجا البعض اذا قيل ان نجاح الحكومة الانتقالية في الاقتصاد لن يتحقق إلا بنجاحها في ملف الكهرباء.
الكهرباء باختصار هي ملخص وعنوان لأي دولة في العالم. أخبرني كم تنتج من الطاقة الكهربائية، أخبرك اي دولة من دول العالم انت.
انتاجك من الكهرباء يحدد هل انت من الدول الناهضة المتقدمة ام من دول القاع؟ هل تنتمي إلى العالم الأول ام إلى العالم المتخلف؟هل تعيش في القرن الحالي حيث كل شيء يتحرك ويدار بالطاقة، ام انك في قرون الأيدي العاملة والجهد البدني والشقاء؟.
الكهرباء لا تكذب ولا تتجمل، وضع الكهرباء الحالي يعني دون أي مواربة ان حكومة حمدوك منهارة اقتصاديا، ولا تجهدوا انفسكم بعد ذلك في البحث عن مؤشرات اقتصادية من هنا وهناك لوضع المساحيق على الوجه المليء بالدمامل.
لا تبحثوا كثيرا في الأرقام المضروبة التي يستند عليها السياسيون في موارة الفشل والعجز والانهيار ، ولن تحتاجوا إلى الروابط والمواقع الإلكترونية حتى تدركوا حجم الكارثة..وضع الكهرباء الذي تعيشون هو المقياس الاقتصادي الذي لا يكذب.
لن تعبر اي حكومة او تنتصر إذا كان الظلام يلف مدنها الرئيسية بل عاصمتها وميناؤها وحواضر الولايات.
اذا سيطر الظلام كما هو حادث الان، فليس هناك احتمالات كثيرة، انما المؤكد ان عجلة المصانع متوقفة، والحكومة الإلكترونية معطلة، والمستشفيات تشبه مرضاها، فهي اقرب إلى الموت من الحياة. ودوواين الحكومة تحولت من المكاتب إلى الأشجار، كما فعل والي إحدى ولايات دارفور الذي جلس تحت شجرة يمارس مهامه المكتبية.
لا تحلموا بتعليم جيد، ولا نظام صحي معقول، ولا زيادة انتاج، ولا سكن ملائم، ولا تطور صناعي، ولابنية تحتية قوية، ولا أسعار رخيصة، ولا محو امية الكترونية، ولا حكومة ذكية. اذا كان الإنتاج من الكهرباء بهذا التواضع.
بل لا تحلموا بالأمن في البيوت والشوارع، (الإنارة واحدة من أهم عوامل التأمين).
اقول لكم..
لا تحلموا بفترة انتقالية مستقرة إذا كانت الكهرباء متذبذبة.

تعليقات
Loading...