محمد حامد جمعة يكتب :بابل

الخرطوم :مرايا برس

مساء خرطومي متأخر وعند منعطف شهير ومع بطء حركة السير . طرق زجاج السيارة طفل صغير . لمحت بين بوارق الأضواء رأسه المشعث ووجه طلاه بإبتسامة ودودة بذل عليها نداء مهذب (قدام يا عمك) ! تجاهلته للحظة ثم أستجبت بكسل . قلت إركب ! وأنا أفك رتاج تأمين الأبواب ؛ لافاجأ بالطفل يبذل كرمي عني لأخرين رفقته تحدروا من الظلمة مندفعين . كانوا بين أربعة وهو خامسهم . شعرت بالضيق لكني خجلت من كسر خاطره . إندسوا في مرح ضاج . يحملون صناديق حلوى ومناديل . أحدهم همس خلفي شكرا . تبسمت قلت مرحبا . أهملوني منصرفين لضحكات حول يومهم . قصص عن المطارادات وحسابات ما جمعوا . أحدهم إعتذر عن أن بحذائه طين . تجاهلته بينما مد أحدهم قطعة (لبان) كهدية فككت غطائها بحافة ضرسي! . عرفت أنهم من طرف المدينة يعملون في (مجازفات) الرزق . رغم كونهم في أعمار المدارس أولى بهم . وهي الملاحظة التي سألتهم عنها لكني شعرت بأنها ملاحظة خرقاء فتجاهلتها . حتى هبطوا في نقطة توافقوا عليها . نزلوا بذات الضجيج والتماسك وٱصرة مودة نسجت بينهم وشائج قربى . حينما غادروني كنت في لجة إستفاهمات مصائرهم . أي أقدار خطفت اب منهم أو أخ أكبر أو أي مصاب من حرب وحادث وظرف مناطقي أو حالة وطنية جعلتهم تحت ثقل تكاليف الحياة قبل أن تحين ساعة تكليفهم ! وهل هم في بئر المعاناة ام أن المعاناة بئرهم. 

2

في (بحر دار) وفي منطقة ملاصقة لمنبع بحيرة (تانا) توسطت مجموعة أطفال . يبيعون بعض الحلى ويثرثرون بأمهرية صقيلة . عليهم أردية محلية الصنع من الكتان . بعضهم ينتعل الصندل البلاستيكي المعروف عند أهل الحبشة . راقني أصغرهم والذي قلدته أمه تميمة من سن حوت مع أخرى مثل طوية حجاب ! كان حليق الرأس عدا خصلة ممتدة مثل ذاك النمط الذي كتب عنه حسن نجيلة عن أطفال الكبابيش في ذكريات البادية . سألته (دنانا) ! رد الصغير وهو يسلمني يده الصغيرة دنانغ ! سألته بسؤال آخر فغطاني بتلك الشهقة المحفزة عندهم مضيفا (ٱو) وهي عندهم (نعم) الوافية . كانوا أطفالا على حافة مصنع حياة (النيل) ومبتدأ السقيا الممتد منهم إلى مهابط البحر المتوسط لكنهم كانوا في جفاف الشظف اليابس ! الأكواخ بالمحيط وملمح الفقر كأنما تسخر من مليارات الوسطاء وصناديق تسوية النزاع ! كانوا في بئر الظلم العميقة أو ربما كان الظلم بئرهم التي هم في قاعها ! فحتى النعمة التي كانت تباع منهم في تجارتهم المحلية لزوارهم كان أيسرها البربري أو (الشطة) الحارة اللاهبة ! فكأنما أراد الله أن تكون نعمتهم لبطون الزائر إليهم بعض حبيبات تضع النار من حافة بلل النهر العظيم . الطريف أنه وبعيدا عن ذات المكان بساعة أو ساعتين او اقل   يعود الزائر إلى فنادق العامودي . صروح على الماء واللجج . خضرة وماء ووجوه حسنة . ووجه اخر من الحياة واضواء (دار البحر) وسواح وزوار ماكلهم طيب ومشربهم ماء صحي ونبيذ وليلهم بين فرع وجيد ومرقد حرير المتعة . فيذكر الناس عادة ذاك الوجه من الأرض وينسون ادناها عند النهر!. 

3

 في فيلم  بابل للمخرج المكسيكي آليخاندرو كونزاليس إناريتو وبطولة المُمثل براد بيت. و تدورُ أحداثهُ في ثلاث قارات من العالم ويروي أربعَ قصصٍ بأربعِ لغاتٍ  أحداثها في  قرب مدينة ورزازات بالمغرب، حيثُ بطلُ الفيلم براد بيت الذي يُجسد دور ريتشارد وزوجتهُ سوزان جونز، سائحان أمريكيان من سان دييغو في زيارةٍ للمغرب، حيث تُصيبُ رصاصةٌ طائشة السائحة الأمريكية الرصاصةٌ أُطلقت من بندقيةِ صيد للأخوين ، أحمد ويوسف، راعيا الغنم، وكانا  بصدد تجريبها بعدَ أن تلقاها والدُهما عبد الله من جاره حسن إبراهيم حتى يُبعد خطر الثعالب التي تُهدد قطيع الماعز . ولأول مرة يكتشف الرائي أو ربما لا يكتشف لانه يعرف أن تحت مدن  الضوء المغرب الجميل هناك نهارات معذبة و حياة على الحافة موازية  هي صخر وكهوف وشراكة بين الإنسان والماعز وميثاق دفاع مشترك . وإن الاطلس العظيم فيه كذلك جوانب شظف وعنت حياة . سلطت الضوء عليها _في فيلم بابل _محاولات إنقاذ السائحة من خطر الموت باثر الرصاصة الطائشة . كانت ملامح المغاربة ذات السمرة المرهقة والسمت الساكن والطقوس اليدوية لذات التضاريس بالمشقة كأنك في الصباغ بشرق السودان أو طوكر أو في صحاري سيناء بمصر او كأنك في الربع الخالي أو دهاليز الصحاري العربية 

قصة الطفل ريان . في جوانبها الأخرى كأنما أرادت أن تعيد عرض ملايين (ريان) بعضهم في بئر وبعضهم خارجها لكنه داخلها .

تعليقات
Loading...