محمد حامد جمعة يكتب :حكاياتي (١).

الخرطوم :مرايا برس

1
صديق وأخ عزيز ؛ كان يكلفني على فترات متباعدة برعاية بعض شؤونه . خاصة في ناحية عطائه السخي لأهله وأرحامه . وفئة ثالثة وهي التي يربطني بها من أشخاص لا أعرف صلته بهم . لكنهم يعرفونه . وجرت العادة خاصة في مواسم الأعياد والمناسبات ومواقيت بدء العام الدراسي ان يحملني (أمانات) . اغلبها لأناس في اطراف العاصمة بقدر مرات يكون بيني وولايات مجاورة أمتار ؛ وأذكر وقبل سنوات ذهاب مني لاطراف أمدرمان الغربية . هاتفت الرجل المعني وأستفسرته عن مكانه فلما رايت انه في ركن قصى . تلطفت بحاله والزمت نفسي بالوصول . قلت عل الله يكتب لي اجر السعي فيما يذهب صديقي المرسل باجر القصور فلا بأس ان احظى بشروي نقير من بركة المناولة . فشققت طريقي عصرا والشمس تتهادى لتغوص في أدنى الافق . كلما أقطع مسافة اهاتف لاسترشد السير حتى بلغت قرية مغبرة . وقف من قصدى عند مكان مضاء بفوانيس . صافحته لكن قبل المصافحة (طلق وحرم) أن ابلغ مع البيت فجبرت بخاطره ليبر قسمه
2
سرنا راجلين بعد ترك العربة في حرز أصحاب الإضاءة . وابناء السبيل . حتى بلغنا زقاق كان صاحبنا يتلطف بي لكي لا اتعثر . قلت له طبا نفسا فأنا أبن الطوب والشوك وخشن التسسيار بلا عود . حتى بلغنا منزل فسيح الارجاء نصب الرجل أسرة في هواء طلق . قام بقربها أبريق وفروة وضجيج حراك أطفال يحذقون إكرام الضيف بالماء القراح . كنت في عطش مجفف . دلقت الكوب في جوفي وعيني بالظلام تقول (كب تاني) ففعل الصغير وعلى محياه بسمة ودودة . ثم جاء الاب كان يسألني عن حالي وأحوالي وحال صديقي . عرفت أنهما تزاملا بالجيش . فرقتهم الرتب واقدار المعاش وجمعتهما روح زمالة لا تموت . لاحظت ان مضيفي كلما هممت بمد ظرف الامانة توسع بالحديث وزجرني (أمهل نكرمك) . جفلت في إصرار فحال الرجل قد يشق عليه لكنه اصر . اقبل صبي اخر يحمل صينية . تبسم الرجل وهو يقطع بانهم كانوا أصلا على موعد مع العشاء . مازحني لا تجزع ستاكل معنا معتاد ما لدينا . لست في خجل منك . والزاد الحلال فخر . باشارة منه وجدت طفل يدلق ماء الابريق البارد على اصابعي يد اليمنى . جر الرجل الاسرة حتى حاذت سوقنا حافة المائدة . المكونة من عدس وكسرة وقصاصات بصل وشطة في ملاحة ! كنت في دخيلة نفسي قد قررت ان (أجامل) رغم ان رائحة الإدام المميزة قد شدت دواخل بطني على اوتار الجوع .
3
أخذت اللقمة الاولى . فحنثت بعزمي . تلاقت يدي واصابعه واصابع الصغير الاوسط . كان والده يربت على راسه بحب ظاهر . وبشكل ما صار الصحن ابيض خال الوفاض . فردم الرجل بقية الكسرة وحبات البصل وارسل لزوجته ماجدة كنت المح شبحها ولا اتبينها وانا اغض نظري عن ظلها فلحقنا اناء به ملاح عدس صبه الرجل وعجنه . بقيت لحظتها انا وهو فاضاف الشطة ! اكلت حتى لعقت اصابعي وربما كوعي . مجرى الحديث اقام بيننا وشائج معرفة عجلى . تحررت من حذائي مع قدوم الشاي . تمدد الى جواري طفل وجلس اخر يخدمنا . وصاحبي كل ثانية مع كل سؤال يحمد الله ويثني عليه . لا ينسى ان يأمر من اسماه (درفون) بتفقد (حصان) في جانب الحوش يسال عن شربه وهل جلب له قصب . يامرهم بالتلطف به قال (تعب اليوم في اشغال توزيع الماء ) . كنت اتمدد اتكرف الهواء وظلام المكان الخالي من الكهرباء . رغبت في طلب النوم . اذ شعرت بطمانينة وسكون العيش الحلال . طعم ما اكلت فاق عندي وجبة سبقت في اول النهار ما خلت من مطايب ولكن عدس الرجل كان عندي كل العافية والهناء . نهضت من جلسة انس ضاعف بهائها ضوء القمر . لاول مرة اتفرس لون تلك الخطوط مثل الخرائط على بدر عريض . ثم نهضت بعد ان مددت الامانة . حاولت فضها لاعدها لتوثيق ابراء الذمة زجرني بحدة . قال عيب يا رجل . كان يهتف لام عياله ..فرجت ..هم المدارس نزل . ربت على صغيره الذي يحب . بكره نمش نسجلك يا مجرم . غادرت المنزل وفي نفسي رغبة لتقبيل كل من فيه . ونحن نشق الازقة المظلمة كان الرجل يبذل النصائح لكي لا اتوه . يقسم علي ان اعود ان ضعت . قلت بعد ان تبركت بك هان الضياع .
تعلمت من زيارتي تلك . ان الحلال طعمه بين وسكونه يدوم وحضوره لا يغيب وبهؤلاء نكرم …اصدقكم اليوم تشهيت ذاك العدس المليح المملح بالملاحة.

تعليقات
Loading...