مزالق الغضب

أمامة الترابي

يظل بنو البشر،  أفراداً كانوا أو جماعات، في تعامل وتفاعل مع من حولهم وما حولهم ويظل ذلك التفاعل يؤثر على آرائهم أحكامهم وتقديراتهم وسلوكهم وقراراتهم بشكل مستمر ومتغير بتغير الأحوال والأشخاص والمعارف.  إن عقل الإنسان يعمل بصورة مستمرة لمصلحة صاحبه بأن يجنبه الخطر  أو ما يكره ويمكنه مما يحب أو يحتاج للعيش كما يريد الشخص المحدد بناءً على تصوراته للحياة والتي تشكلها معارفه واتجاهات مشاعره وحاجاته ورغباته.
لو أخذنا بقول بعض الباحثين أن البقاء للأقوى فإن البشر الأقدر على تحسس الأخطار وتقديرها ومجابهتها هم الذين تمكنوا من العيش على كوكب الأرض ونقل جيناتهم  تلك (عالية الحساسية للخطر)  لخلفهم. هنالك مباحث كثيرة لعلماء الإجتماع (لا يتسع المجال لحصرها) تؤكد أن الشعور بالخطر أو التهديد أو المشاعر السالبة بشكل عام لها أثر أوقع على تصرف الشخص وحالما وجد أحدهم نفسه في مواجهة التهديد أو الخطر أو حتى الإساءة فإنه غالباً ما يتصرف بشكل يمكنه من الخروج من ذلك الوضع المزعج بشكل أو بآخر وتكون تلك المشاعر السالبة حينها هي المحرك الأساس لسلوك الشخص. لتجنب الأوضاع السالبة تلك أو للهروب منها أو للتعامل معها بما يتسير من أفعال فإننا نكون واقعين تحت تأثير مشاعرنا السالبة تجاه تلك الأوضاع سواءً كانت مشاعر الخوف أو الغضب أو حتى الكراهية.
عموماً، فإنه من المعروف  أن للمشاعر السالبة آثار عميقة في نفوس البشر وربما تمتد آثاراها  لزمن طويل بعد حصول الحادثات المزعجة أو المؤلمة  فتؤثر على نفسية الأشخاص وسلوكهم ويحدث لهم ما يسمى باضطراب ضغط ما بعد الصدمة فتظل تفاعلاتهم في الحياة متأثرة بتلك الصدمة وتظل المشاعر (السالبة بالتأكيد) تحدد سلوكهم وتحده فيتصرفون بشكل لا يمكنهم من العيش بسلام وإيجابية ويؤثر على أوضاعهم الشخصية والإجتماعية  وغالباً ما يحتاجون لكثير من الدعم النفسي والسلوكي لتجاوز ذلك الإضطراب والتعامل مع عالمهم بيسر بعيداً عن أثر تلك الحادثة أو التجربة المزعجة . سواء في اضطراب ضغط ما بعد الصدمة أو خلافه فإنه وعلى مستوى الأفراد يكون أثر الارتهان للمشاعر السالبة والرافضة والمنزعجة بسبب مباشر أو غير مباشر، منحصر بحيث لا يتعدى الشخص ودائرته الصغيرة في المجتمع وهنالك مداخل علاجية نفسية وسلوكية ناجحة وكفؤة في التعامل مع تلك الحالات والتي غالبا ما تنتشر بين ضحايا العنف الجسدي أواللفظي أوالنفسي والجنود المحاربين وأولئك المنتمين للأقليات المضطهدة وربما يتسع المجال في مقال آخر لنتحدث عن  مداخل التعامل مع أولئك المتأثرين بالاضطرابات النفسية بصورة عامة والصدمات بصورة خاصة.
من المهم أن نذكر أنه، وفي الاطار الشخصي، فلابد للأشخاص لتجنب الدخول الأعمى تحت تأثير مشاعرهم السالبة أن يسعوا للمعرفة اللازمة وأن يكون لديهم وعي كاف بأفكارهم وكيف أن المواقف المختلفة قد تشكل فكرة أو تثير عاطفة معينة عندهم. يسمى هذا الوعي ( هذه المعرفة) بالذكاء العاطفي والذي يتضمن أن يكون للإنسان وعي كاف بمشاعره ومشاعر الآخرين وأن يضع ذلك الوعي أو تلك المعرفة نصب عقله وهو يتعامل مع الأشخاص والأحداث فيكون بذلك أكثر تفهماً وإدراكاً وقوة نفسية وتقل احتمالات ارتهانه للمشاعرالسلبية  فتكون انفعالاته وتفاعلاته أكثر ثباتاً وإيجايبية بالطبع.
يظل الأهم والأجدر بالنقاش والتدبر هو حال وقوع مجموعات كبيرة من البشر وبصورة سافرة تحت تأثير العواطف والمشاعر السالبة تلك. لا شك أن المعلومات التي تتلقاها تلك المجموعات والمعارف التي تتعرض لها هي الخطوة الأولى في تشكيل تلك المشاعر والتقديرات السالبة تجاه جماعة أخرى أو فكرة ما- مختلفة. ومن ثم يأتي دور المستفيدين من حالة الإنزعاج والرفض تلك، فيتم الترويج للمواقف السطحية والإجابات السهلة التي تجعل ذلك الآخر (فكرة كان أو مجموعة من الناس) وربما كل ما ينتمي أو من ينتمي له سوءاً كاملاً لا مجال  للتفاهم معه أو تفهمه. وتظل تلك الجماعات وبفضل سيطرة الخطاب العاطفي الموجه لها، تحت سيطرة   مشاعر الخطر/ التهديد أو الخوف أو الغضب أو الكراهية أو الرفض التام الذي لا يستصحب حلاً أو الإنتقاد اللاذع الذي لا يطرح فعلاً ايجابياً. لا شك أن غالب القضايا المؤثرة على حياة البشر كجماعات هي قضايا معقدة لا تتيسر إداراتها بالعواطف (الغاضبة منها تحديداً)  ولا تجدي فيها الإجابات البسيطة الرافضة والكارهة. وكلما سلكت جماعة أو أمة ما هذا المسلك الغوغائي  مساعيها وفقدت مقدراتها  ولو بعد حين حتى وإن بدا مسلكها في بدايته أو أوجه جذاباً وقادراً على تجنيد عواطف البشر وبالتالي طاقاتهم بسهولة وسرعة ويسر.
إن وعينا بحالنا وإدراكنا لحال ما حولنا  ومن حولنا ومن قبل ذلك معرفتنا الفاحصة والباحثة هى المنجي الأول من مزالق المشاعر المضطربة والمنزعجة والسلبية تلك، وفي حال كوننا جماعات فربما تقع مسئولية التعريف والتوعية على من يتقدمون الصفوف وهي بواقع الحال مهمة عسيرة تستدعي شحذ العقول واذكاء الوعي بدلا عن دغدغة المشاعر  ورعاية الهياج.

تعليقات
Loading...