ملاحات..

ملاح الجبوري.

قبل يومين الدكتور كتب لي حبوب و مشيت الصيدلية عشان اصرفها؛ فبعد ما شلتها و لقيت لي موية و داير ابلع منها اكتشفت انها ناقصة؛
ناقصة كيفن يا ملاح الدين؟
اي والله ناقصة النقصان الواحد دا؛ فالكورس بتاع الحبوب مش فيه عشرة حبات؛ دا برضو فيه عشرة؛ لكن واحدة محلها مغرطس فاضي و واحدة جاية نص حبة؛ يعني بدل العشرة حبات بقى عندي ثمانية و نص؛
طبعاً الشغلانة دي اكلت معاي جنبة و طوالي شلت حبوبي و رجعت للصيدلانية؛ هي طبعا زولة حليوة كدة و لمن جيتها راجع افتكرتني جاي اشاغلها و قعدت تصرصر صرصرة البنات الواحدة ديك؛ و الموضوع اتضح ليها مشاغلة بعد ما قلت ليها الحبوب دي ناقصة؛ ياخي الزولة من تعابير وجهها تعابير الزول الشمتان الداير يقول ليك انت مدخلك دا ما دسيس ؛
هاي يا بنيتي عمك دا متخصص في الحاجات دي؛ لكن ما ختاكي في باله؛ فهو بالجد كلامه دا جادي معاك و جايك لأن المسألة ما وافقة فيه بس؛ بل المسألة تمثل تهديد للكل؛
كلنا انا و زولتي زي التكننا قرينا خواطر بعض :
فهي بابتسامة فيها شي من الاستسلام و التسليم بالأمر الواقع مدت يدها و استلمت مني الحبوب؛ بمجرد ما جرت نور فيها تأكد ليها كل كلامي، لكني قريت من تعابير وجهها كأنها دايرة تقولي لي الضمان شنو انو ديل نفس الحبوب الشلتهن مني هسه؟
حسيت اني في ورطة؛ و دارت في ذهني حكاية الزول الاشترى عبوة زجاجية بتاعة مشروب غازي و قبل يفتحها اكتشف انو فيها ذبابة؛ فشالها و فات الشركة و حلف لازم يفضحهم ويمسح بشركتهم دي الواطاة؛ فالجماعة عشان الموضوع ما يوصل المدير و يجيب ليهم هوا ساوموه بكل ما يملكون حتى عرضوا عليه عربة مقابل الزجاجة ام ذبابة دي؛
طبعا زولنا دا من العينة العكليتة ديك؛ و شاف كل أحلامه في زجاجة غازية؛ فقال في سره : هم الناس الساكت ديل قالوا بدوني عربية فلو وصلت المدير داك ممكن يعمل لي اشياء ما بحلم بيها ذاتها؛ فاصر على لقاء المدير؛
الجماعة لمن شافوا موقفه زي موقف عبد الواحد قالوا لازم يرضخوا له؛ ياخي عبدالواحد دا باقي زي وليد الموية ما بتسمك خالص؛ هسه قلنا بعد ما حمدوك اتفق مع الحلو على علمانية الدولة قلنا ممكن يجي؛ فعبد الواحد مرق لينا ناس حمدوك ديل ذاتهم ساكت و ما عندهم اي شرعية بتخليهم يفاوضوه؛ و هو ما بتفاوض الا مع نظام منتخب؛ هاي يا اخوي عبد الواحد انت ذاتك الفوضك منو عشان تقاتل باسمه و تفاوض باسمه؟
زمان الكيزان خيروهم بين حق تقرير المصير و فصل الدين عن الدولة فاختاروا حق تقرير المصير و قالوا لينا بعد فصل الجنوب حنطبق الشريعة الإسلامية و الدولة حتكون دولة اسلامية بحتة؛ انتو عارفين السودان انفصل و الشريعة ما اتطبقت؛ بل زاد البعد عن التعاليم الدينية بعد الانفصال؛ و انتشر الفساد حتي اي زول بقى بخاف على نفسه منه؛ و الفساد و البعد عن تعاليم الدين عجلا برحيل الانقاذ ليأتي حمدوك و يقر فصل الدين عن الدولة؛ ياخي دي زي حكاية الديك الكان بأذن بصوت جميل؛ فصاحبه قال له اوعك تأذن مع الصبح لانك بتصحيني من النوم و لو تاني سمعتك اذنت انا بضبحك؛
امتثل الديك لامر صاحبه و ترك اذان الصبح و بقى باذن في باقي الاوقات؛
بعد كم يوم جاءه صاحبه و قال له تاني لو سمعتك بتاذن بضبحك؛
امتثل الديك لامر صاحبه و ترك الآذان على مضض و لولا مفارقة الحياة قاسية لما تركها.
بعد كم يوم جاءه صاحبة و قال له : انت يا ايها الديك قاعد بتاكل ساكت ما منك اي فايدة زي باقي الدجاج فلو بكرة جيت ما لقيتك بيضت بيض كتاااااااااار بضبحك؛
حزن الديك حُزن شديد وظل طول الليل داك زعلان و ما نام؛ ما زعلان خوفاً من الموت و لكنه معاتب نفسه لماذا لم يموت و هو بأذن؟
فصاحبنا العكليتة لمن ابقى يمثل للجماعة في واحد قال بدل يوصلها للمدير احسن نوصلها ليه نحن؛ فعينة ديل طبعاً متخصصين في المدراء و المسؤلين؛ تلجة واحدة بجيبوا خبرهم؛ فالكسارة دا دخل للمدير و فهمه المسألة بكل ابعادها؛ فالمدير طلب من الجماعة يدخلوا له الزول و زجاجته؛ فزولنا دا دخل و كان متخيل المدير يلاقيه بارتباك و كبكبة؛ و هو ناسي انو زي موقفه دا المدير بكون مر بيه الاف المرات؛ المدير بكل برود امر زولنا دا بالجلوس في مقعد جواره و اذن له بالحديث؛
زولنا استرسل بالكلام و وضح امكانية انهيار الشركة دي لو ظهر في الاعلام؛ و لكنه احبط جدا لعدم اكتراث المدير بتهديده؛
و لمن انتهى من حديثه المدير قال له : ما اعتقد ان تكون دي ذبابة؛
فبكل عفوية زولنا مدا للمدير الزجاجة عشان يتاكد من وجود الذبابة بنفسه و لكنه اندهش حد الاندهاش لمن المدير ضرب بالزجاجة البلاط لمن شتت دُقااااق و قال لعامل النظافة خمها و لزولنا اتوكل امشي محل ماشي؛
اها زولتي دنقرت للكرتونة الادتني منها الحبوب و رفعت شريط عشان تقنعني و لكنها وجدته ناقص ثلاثك حبات؛
اخير حقي؛
رفعت واحد تاني برضو اخير الرفعته قباله؛
لقت واحدات فيهن حبة واحدة و واحدات ما فيهن ذاته و هي بدل دايرة تدخلني في فتيل؛ هسه ذاتها خشت فيه؛
شفت بعيني دي كلام راسها بقول :
يا ربي دي يحلوها كيف؟
و هسه منو البقتنع بياخد حبوب ناقصات؟
هو دا ملاح الفاهم لقي الشريط ناقص حبة و نص بس جاني راجع؛
طيب زي الفيها ثلاثة بس دي بشيلها مني منو؟
خليتها في هواجسها و انا اتمليت هواجس اكثر منها؛ لاني عارف في الاقتصاد في حاجة اسمها نقل العبء الضريبي للامام و نقل العبء الضريبي للخلف؛
فبعد الغلاء و فرض ضرائب فاذا كان السوق بسمح بالزيادة فالمنتجين يحاولو نقل العبء الضريبي للامام و ذلك باضافة سعر الضريبة لسعر السلعة و المشترى الاول بنقلها للمشتري الثاني و الثاني للبعده حتي تصل للمستهلك الاخير و هو دافع الضريبة الحقيقي ؛
و لكن اذا كانت الاسعار في مرحلة لا تسمح بالزيادة و كذلك في سلع بديلة متوفرة؛ ففي هذه الحالة يقوم المنتجين بنقل العبء الضريبي للخلف؛
يا ملاح الدين وريتنا انو المتجين ديل ما بتحملوا اي ضريبة؛ و عرفنا نقلهم ليها للامام؛ و لكن النقل للخلف دا ككيف كمان؟
النقل للخلف بقوموا بقللوا من مواد الانتاج؛ اي يعني بقللوا الجودة؛ فلو ملاحظين زمان كان حجر الطاحونة بتم ستة شهور و هسه بكمل في شهر واحد؛ و كان البطارية بتاعة الانارة دي بتعمل كمكمين سنة و هسه مرات تشتريها من محلها عطلانة؛ و العجب الساعات و الجزم ياخي الجزمة مشوارها ما بتكملوا؛
هاي يا ملاح نقل العبء الضريبي للخلف دا كمان حتى في العلاجات؟
انتو براكم هسه مش شايفين حبوب الملاريا دي بندوسوها زي دوسان التسالي و الملاريا قاعدة؟
يمسكك صداع تاخد كمكمين عينة من البندول و المسكنات و زي التقول بتحفز فيه؛ زمان كافينول اطفال كاتبين فيها (للصداع و الاوجاع و الرشح و الانفلونزا) و الغريبة متوفرة في اي دكان و بلعتك ليها تاني حاجة بتوجعك مافي؛
ممكن يكون في تخفيض في جودة الحبوب و لكن عدم مراعاة التغليف او تغليفها ناقصة دا عدم مبالاة لان سياسة التسويق بتحث على عرض السلعة في اجمل صورة لها ؛
بالمناسبة انحنا وصلنا لمرحلة خطيرة من الانهيار؛ فبقت حكاية دكتور ينسى حاجة في بطنك دي مالوفة؛ و حكاية راجل يدوه دِرب بتاع طلق صناعي دي انا شفتها بعيني؛
و كنت متوقع اكثر من كدا؛ لكني ما متوقع حبوب يجن ناقصات من شركتهن؛
طيب لو الحبوب الظاهرات ديل ناقصات اها المكونات الداخلية دي حتكون كيف؟
والله انا من زمان ما مقتنع بعوسان السودانين للادوية دي؛ لانهم مستعجلين و عندهم عدم اللا مبالاة؛ زمان جابو لينا التلفزيونات بتاعة شركة ساريا و لمن جربناها لقيناها ما شغالة فرجعنا ليهم قالو لينا في اسبير نسوه ما ركبوه ففكوها ركبوا الاسبير و اشتغلت؛
التفزيونات هينة لكن بطريقتهم دي بحيبوا لينا حبوب هنايات مغرطسنها في شريط حبوب الملاريا و بنبلعوهن و ورلنا بصنقع؛
نجاح اي بلد لا يتم الا بسواعد بنيها؛ و السواعد بدون عقل لا تبني راكوبة؛ و العقول لو ما انتبهت و ركزت فغالبا ان تعمل تركيبة بدل ما تنقذ الوضع ستسارع في انهياره؛
نحن الان على وشك الانهيار و بامكاننا تجاوز المعضلة باقل ما يمكن؛ فقط علينا بالتوحد و قبول بعضينا لبعض و ترك كل الانتماءات ليكون السودان هو ابينا و امنا؛ فان فعلنا ذلك حتماً حنبنيهو البنحلم بيهو.

تعليقات
Loading...