نحو بناء مهني للصحافة السودانية

هشام عباس زكريا

  • تبدو الكتابة عصية في زمن تاهت فيه الحروف في صحراء خالية من أشجار الحقيقة فتصبح هي السلاح الوحيد لضرب السلوك الذي يزيد الأزمات في بلادي، هناك في مهنتنا الإعلامية من أتقنوا زرع الالغام أمام التطور الإعلامي حتى أصبح زملاء المهنة مثل جمهور يشاهد لعبة (جر الحبل)، ومؤسسات الإعلام المسكينة هي ذلكم (الحبل) المتماسك بالصبر والعزيمة المرهق من النزاع.
  • تشتغل الساحة الوطنية هذه الأيام بأزمة بناء المؤسسات ومعالجة القضايا الاقتصادية، وفي ظني لو وقف كل واحد منا في زاوية تخصصه فإن البناء المؤسساتي سيكتمل وفق منظومة تنسيقية ذات أثر عميق، اتساقا مع ذلك أكتب اليوم عن قضية (السجل الصحفي) الذي كان يسمى في الماضي بالقيد الصحفي وقد رأى القائمون على الأمر إن في مصطلح (القيد) بعداً يجسد معاني الأسر وعدم التحرر فاختاروا (السجل) فهو مصطلح موضوعي خالي من آثار التقيِّد والحبس .. هذه ليست هي القضية .. والمشكلة أن هنالك تنازعاً بين اتحاد الصحفيين السودانيين ومجلس الصحافة حول تبعية، وتاريخياً فإن السجل في السودان كان يتبع للمجلس وأبرزت التجربة نجاحاً في مجال ترقية المهنة من حيث التدريب والتوثيق للصحافة وتنظيم المهنة حتى عادت للصحافة هيبتها فلم تعد الصحافة في السودان “مهنة من لا مهنة له”، فتم تنظيم الامتحانات بصورة ممتازة وكان هنالك تدقيقاً للذين منحوا بطاقات الاحتراف والانتساب، كما أن المجلس كان حريصا على إبداء النصح العلمي للصحفيين من خلال الدراسات العلمية التي يجريها عن الأداء المهني للصحافة السودانية.
  • لقد اختلف الحال عندما ذهب (السجل) إلى اتحاد الصحفيين وفق قانون 2009،وقلل ذلك من مهام وسلطات مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، فأصبح الحصول على بطاقة الانتماء للاتحاد أسهل من الوصول إلى ميدان (أبو جنزير) فضمَّ السجل الصحفيين وغير العاملين في مجال الصحافة، وإذا قام الاتحاد بنشر أسماء الموجودين في السجل فربما نجد الأمر الغريب والعجب العجيب.
  • لقد اهتم اتحاد الصحفيين السابق بقضايا مثل توفير السكن ولكنه فشل في تنظيم الصحفيين وترقية مهاراتهم واختار طرقاً إعلانية للانضمام إليه، ويبدو أن القائمين على أمر الاتحاد كانوا يفكرون بالكم وليس بالكيف … فأكاد أجزم أن ربع المسجلين بالاتحاد فقط هم الذين يمارسون مهنة الصحافة، أما البقية فإنهم ينافسون الممتهنين للصحافة في خدماتهم ولا يساهمون في الصحافة، بل يعملون في مجالات لا صلة لها بالصحافة والإعلام.
  • إنَّ السجل يجب أن يعود إلى المجلس القومي للصحافة لتعود للصحفيين هيبتهم وعلى كل الصحفيين المساهمة في التعجيل بتعديل قانون الصحافة لتعود مكانتهم المهنية وسط المهن في السودان .. فتصوروا لو أنَّ رخصة ممارسة الطب تحولت من المجلس الطبي إلى اتحاد الأطباء ..فمن هو هذا المريض المغامر الذي سيذهب إلى عيادة طبيب منحه اتحاد الأطباء رخصة لمزاولة المهنة … وتصوروا أن شهادة ممارسة الهندسة تحولت من المجلس الهندسي إلى اتحاد المهندسين ،وأن اتحاد المحاميين ينظم امتحان المعادلة … بربكم لماذا نريد انقلابا للنسق عندما تأتي الصحافة … ولماذا يصمت الصحفيون لهذا الأمر.
تعليقات
Loading...