واصله عباس تكتب :أجمل مافي الخرطوم صالة المغادرة

الخرطوم :مرايا برس

ظلت الخرطوم حلم يراود مخيلة القاطنين خارج حدودها من أهل الولايات وليس ببعيد عن الأذهان الأوبريت الشهير *(أحي متين أشوف الخرطوم ..ياربي متين أشوف الخرطوم )* وحينما يوجه أحدهم وجه شطرالمدينة تظل الرهبة تتملكه وبعض المخاوف من *(الخرطوم العندك جمالك ..جنة رضوان )* ،، فكان الوصول اليها بمثابة الحلم الذي يراود الأذهان ،، والأمل المرتجي للوصول اليها ،، *وأسألو الخرطوم بتحكي لماغردون إحتمابا )* وكيف كانت تزداد منعة وصلابة وتاريخ يحكي عن مدنها وقراها وبحري سر الهوي ، وأمدر ياحبية والخرطوم وجمال النيل ،، ودارت دورة الأيام ليبقي الهرب منها واجب وطني ،، ويبقي الخروج منها أمر تفرضه الضرورة والواقع الأليم المعاش ،،حيث لم تعد تلك المدينة *(الحُلم)* ،، ولن تردد تلك القروية رغبتها بأن تزور الخرطوم ،، بعد أن أضحت مرتعا للضلال والنفايات والنهب والسلب وشظف العيش ،،أصبحت الخرطوم مكبا لكل نفايات البشر من الأحقاد والغل والحسد ،، توقفت الخرطوم عن العطاء والكسب والعمل ،، وتوقفت عجلات الإنتاج فيها ،، حتي الدور التعليمية أصبحت مخيفة وتخرج الكثير من الأجيال بلا تعليم ،، مالذي يجعل الخرطوم قبلة تفد الناس اليها ،، وقد أصبح أهلها غرباء لايجدون موضع قدم لأمانيهم وتطلعاتهم ،، بعد أن أنسدت نوافذ الحياة لتهيل عليهم رماد الحسرة والندم ،، ويصبح الشغل الشاغل هو كيفية الخروج من هذا القمقم الذي حُبسنا فيه ،،، أقسمت علي من أعرفهم أنه إن كان لي وطن غير هذه المدينة ما ترددت لحظة في حزم أمتعتي والمغادرة علي عجل الي حيث مسقط رأسي ،، فليس هنا مايستدعي أن أقضي فيها لحظة ناهيك عن عمرا .. (وتبقي حقائب المغادرة معدة وجاهزة للخروج النهائي)
الخرطوم المدينة الطاردة للاحلام ،، الظامئة الي الأمان بعد تهدم أسوارها واصبح حتي من كان داخل بيته خائفا ومذعورا ،، ومن لايجد الأمان في بيته عليه أن يعجل بالرحيل ،، في الخرطوم كل شئ فيها يبعث علي الألم والحزن واصبحت مدينة قاتمة اللون تمتلئ القلوب منها وجلا وحزنا ،،حتي السماء بغيومها ونجومها لم تفلح في أن تغير من معالمها بل زادتها بؤسا لانها لم تجد من يرحب بها ويقيم منازلها ومجراها ،، فهدمت مراتع الصبا والديار .
تحدثني نفسي المملؤة وجعا لهذه المدينة الصاخبة المتسخة أن كل من خرج منها لن يعود وعليه أن لايعود فليس هنا مايستدعي العودة ..! والخرطوم لاتجد مايسد رمقها والجوع وصار الجوع ينهش في كبدها ،، وكل شئ حولها ملوث وقاتل والوجع يتمدد في كل جسدها ،،حتي صغارها أملها المرجؤ تتفتح ابواب التشرد امام ناظري أسرهم الذين اصبحوا في وجوم من واقع مؤلم طال كل خططهم المستقبلية لآبناءهم فأنبرت في القلوب حسرات وزفرات ،،، وفي الخرطوم الكثير من شبابها يقبع تحت طائلة الفراغ المدمر الذي حتما سيفضي الي ما لايحُمد عقباه ،، مالذي يجعل الخرطوم قبلة تتوجه اليها أنظار العالم ؟؟
هل يدري الوالي الهمام والثوري العتيق السيد ايمن نمر أن الخرطوم صارت مذبلة ؟؟ وأن العالم يتحدث عنها بإشمئزاز وقد صنفت رسميا في الصفوف الاول ،، وأن صالة المغادرة ونقاط العبور الي خارجها اصبح أجمل مافيها ،ونخشي أن لايبقي فيها غير الدواب والشجر ، وإن كنت تشعر أن حديثي جانبه الصدق فيمكنك الخروج الي شوارعها متنكرا او بوجهك الحقيقي وستعرف أي منقلب سيكون حديثي..؟؟

رؤى أخيرة
مهما كنّا أقوياء؛ فلن نستطيع حمل حقائب الحياة وحدنا.. نحن بحاجة دائماً لمن يحمل عنّا شيئاً من أيامها. لهذا اعلم أنّ لكلّ شيء حدّ ونهاية، فإنّك لا تدري إلى أيّ مصير أنت ذاهب، فالأمور على ما يرام في النهاية ، فإن لم تكن كذلك، فاعلم أنّها ليست النهاية.

تعليقات
Loading...