واصله عباس تكتب :حكايات من النفاجات الحِنينة.

الخرطوم :مرايا برس

على تلكم الإيقاعات تكون رقصاتنا الرائعة ، نطرب لتلك الدروب المعفرة بتِبر وتراب المحنة السمحة، نكتب في كل أزقتها ملامح لزمن قادم لايهم ماذا يحمل بين طياته ، فكل شئ عندهم يأتي من الله هو قدر محتوم ، لايستوجب إلا أن تقول (الحمدلله) .
في ذاك الحي المترامي الأطراف والذي يمتد محنة ومحبة وتترابط أواصره في كل جنباته ،، تسمع زغاريده عند الفرح ،،وأحزانه عند الترح ،، فغير مسموح بالفرح والأحزان ترخي سدولها ،،، والعكس ،، تزداد أبعاده و أركانه تقاربا لاتنفك عن بعضها البعض ،، تمتد ذات الأيادي لتناولك شئ منها وفي ذات الوقت تعيد اليها في ذات الإناء شئ منك ،، *( ماعندكم عجين مر)، (جونا ضيوف شادين شنو)*
حتى عبث الصغار حينما يتحول إلى شجار وعراك تجدهم يعودون بعد سويعات أكثر حميمية ،، نشأو على أن كل الديار ديارهم ،، وكل كبير في الحي هو كبيرهم ،، ولم تكن داخل النفوس إلا الحب لمكان سيعودون اليه كلما خرجوا ،، لانهم تركوا قلوبهم فيه.
من بين تلك النفاجات والأزقة تخرج كل يوم حكايات تحكي محنة الغبش و (أمات شلوخ) اللآئي مزجن الكرم والبشاشة والبساطة مع طبيخهن فأشبعن بطون خاوية ومسحن الدموع من عيون باكية ،،، تقدم كل ذلك وفي نفسها لايوجد غير الحب والعطاء بلا من و لاتذِل بالعطاء والمنح أحد ..
أضحت تلك البيوت أشجار ظليلة ووارفة ومثمرة تجد فيها متكأ ومأكل وراحة ،، تعيش بين أفنانها تستقبل فيها أشعة الشمس فجرا فتختلط أصوات البكور المسبحة بحمدالله وعبارة (البصبح على همه القديم فضل من الله الكريم) (فتاح ياعليم ..رزاق ياكريم) .. ومن ثم تتعالى ذات الأصوات الحنِينة تعطر ذاك الصباح الباهي برائحة الشاي باللبن (المقنن) وتزاحمه رائحة اللقيمات التي لها سحر خاص توقظ البطون الخاوية ،، طقوس إعتادت عليها تلك الأزقة والنفاجات تحسبها نبض في جسد تلك البيوت التي مالت فأستمالت على واقع الحياة فتكشفت علي زمن قلما يكتب عليه بأنه (الزمن الجميل).
لحظات والكل يخرج في سعيه الدؤوب لزاده في ذاك اليوم والتوكل على الله مسلكاً وسلوكاً فطرياً لايحيدون عنه في أي لحظات وإن ثقلت عليهم الحياة بالأوجاع والأسقام لكنهم أكثر ترحابا بكل الأقدار..
الصغار في غدوهم للمدارس يخرجون زرافاتا زرافاتا لايطيقون الخروج وحدانا ،،فقد تعلموا في تلك النفاجات أن القوة بالكثرة وأن أيامهم قدر مكتوب عليهم أن يحييوا سويا للأبد لهذا لن تجد في عابرات الطريق من يمشي وحده.
وفي نهار غائظ وبعد خروج الجميع لمهامهم وأعمالهم ودروسهم تتبقي النسوة حامية العرض في أروقة البيوت يصنعن لقاءات مستديمة تتوثق فيها أواصر العلاقة وتتمتن فيها وشائج الأرحام كأنهن يعددن في جلستهن المستديمة في دار (حاجة كنية بت حامد)مزيد من عتاد الصبر والتماسك والمحبة وهن في متكأ (براكوبتها الكبيرة ذات العناقريب الوثيرة ) وهنا يضعن (عِدة القهوة ) وسطهن ،، لتفوح رائحة قلي البن فتحسبها بمثابة دعوة لكل مار بذات الأزقة لكي يتذوق منها مايشتهيه من (البكِري والتنِي ).. وتبدأ أحاديث الموانسة والمجالسة وكل يرمي همه ونجواه في تلك الجلسة التي تعد بمثابة برلمان مصغر تدير (الحاجة كنية بت حامد) وكل ماتقوله لهن يعتبر أمرا يستوجب التنفيذ بلاسؤال ،، فهي بمثابة قائداً لهن وأما رؤوم عركتها الحياة فأنتصرت عليها ولم يتوقف مد عطاءها ولم تنكسر لتلك المحِن والإحن التي مرت بها منذ رحيل زوجها والذي ترك لها صبية صغار ،، كرست كل عمرها لأجل راحتهم وتعليمهم دون أن تمد يدها أو تقبل عطاء وصدقة رغم تلاحم الحي وترابطه ولكنها آثرت العمل على إعالة أبنائها الأيتام..
وفي المساء تعود تلك النفاجات لتشع بسمر الكبار وحكاويهم في بروشات الصلاة.. وعلى اطرافها تسمع ضجيج الصغار ( وشليل وين راح ) (وهولبلب)،، ويجد العشاق في مناجاة القمر تأكيدا لذاك الحب الطاهر العذري..

رؤى أخيرة..
ويازمن وقف شوية

تعليقات
Loading...