ينابيع الحكمة (1)

المدرب الإستشاري / د. عبدالمنعم العميري

عندما تبدأ الرحلة يظهر لك الطريق ..

إبدأ .. إبدأ ، هي الكلمة السحرية ، وهي الكلمة الذهبية ، التي تصنع الفرق بين الشخص الغارق في أحلام اليقظة ، والشخص الناجح الذي يُحقق نتائجاً إيجابية .
الشخص الغارق في أحلام اليقظة ، يحلم ، ويستمر في الحلم ، ولا يبدأ العمل أبداً ، والشخص الناجح يحلم أيضاً ، ولكنه يبدأ العمل .
الشاعر والفيلسوف الإسلامي جلال الدين الرومي ، له مقولة ذهبية ، يقول فيها (عندما تبدأ الرحلة ، يظهر لك الطريق) ، فهو يطلب منك أن تبدأ فقط ، وحينما تبدأ سوف يوفقك الله سبحانه وتعالى ، وسوف تتكشف لك الإشارات والعلامات ، التي تدلك على الطريق ، ولكن إذا لم تبدأ ، ولم تتخذ خُطوة للأمام ، سوف تظل في مكانك ، وسوف تغرق في الأحاديث حول هدفك ، ولكن لن تصل إلى هدفك أبداً ، لأنك أصلاً لم تبدأ ، ولم تتحرك من مكانك .
إذا كان الأمر بهذه السهولة ، إذن لماذا لا يبدأ الناس ، في تحقيق أحلامهم ، والوصول إلى أهدافهم ؟ الإجابة عن هذا السؤال نُلخصها في سببين :
السبب الأول : أنَّ كثيراً من الناس ، ينتظر أن يرى العلامات حتى يبدأ الرحلة ، أو أن يرى الطريق حتى يبدأ المشوار ، ومثال ذلك الشخص الذي ينتظر أن يكون مُستعداً ، حتى يُقبِل على الزواج ..
السبب الثاني : هو أن كثيراً من الناس لا يبدأون خوفاً من الفشل .
بالنسبة للسبب الأول ، وهو أن بعض الناس ينتظرون أن تكتمل إستعداداتهم ، ويروا الإمكانيات متوفرة أمامهم ، ثم يبدأون بالتنفيذ ، فنقول لهم : قَلَّ من بدأ مشروعاً مُعيناً ، بعد أن أكمل كل الإستعدادات المادية له ، ووفرها جميعاً في البداية ، فالناس عادةً يكون لها تصور مُكتمل ، لمشروع مُعين ، ثم يبدأون في تنفيذه قليلاً قليلاً ، وحينما يبدأون عملياً ، تظهر لهم أشياء لم تكن في الحُسبان ، ولا يكون الأمر مُطابقاً بالضبط لما في تصورهم ، فيقومون بالتقييم والتعديل والتقويم ، والسير للأمام ، وكلما إنتهت مرحلة ، ظهرت المرحلة التي تليها ، عليه نقول لمن يُريد الزواج شاباً كان أم شابة ، إبدأ و ابدأي أي خطوة نحو الزواج ، وسوف يظهر الطرف الثاني ، وكلما مشى الشخص خطوة ، تسهلت له خطوة أخرى ، فالشاب الذي يجمع مبلغاً معيناً ، ولو قليلاً ، ويقول هذا المبلغ للزواج ، تأتيه مبالغ أخرى ، من حيث لا يحتسب ، والفتاة التي تتعلم الطبخ ، أو تشتري بعض الأواني المنزلية ، أو بعض الأثاث ، على نية أن تكون هذه الأشياء لبيتها ، فإن الله سبحانه وتعالى يُسهل لها أمر الزواج ، والذي يستفتح أي باب من أبواب الخير ، فإن الله سبحانه وتعالي يفتح له هذا الباب ، مصداقاً لقوله تعالى : ( إنْ تَسْتَفْتِحُوْا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْح ) الآية رقم (19) من سورة الأنفال ، وقوله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي ، إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراً فشرٌ) رواه الطبراني ، وتذكر دائماً مقولة جلال الدين الرومي (حينما تبدأ الرحلة ، يظهر لك الطريق) ..
بالنسبة للسبب الثاني ، وهو عدم البدء خوفاً من الفشل ، فإننا نقول بادئ ذي بدء ، بأن هنالك بعض الناس ، لديهم فهماً مغلوطاً للفشل ، وهو أن الفشل عكس النجاح ، والصحيح هو أن الفشل جزءٌ من النجاح ، والشخص الناجح ، هو الذي يتعلم من فشله ، لكي يصل إلى النجاح ، ولا يسمح للفشل أن ينال منه ويُحطمه ، ومن الطبيعي أن يتعرض المنتصر للهزيمة ، والرابح للخسارة ، والناجح للفشل ، والخطأ دوماً وارد ، وهو جزءٌ منا ، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (كل إبن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي ..
لذا دعوتنا للجميع أن يبدأوا ، ولا يخافوا من الفشل ، فمن الفشل نتعلم ، ومن البدء يتضح لنا الطريق ، وبهذا نُحقق أهدافنا ، ونُحقق إنجازاتنا ، ولنتذكر دوماً مقولة العالم الجليل ، جلال الدين الرومي
(عندما تبدأ الرحلة ، يظهر لك الطريق) ..

تعليقات
Loading...