الناقد إبراهيم الإعيسر يكتب :دراسة نقدية حول تجاوز الشخصية المعاقة.. في الخطاب الأدبي.

الخرطوم _مرايا برس

ظل الخطاب الأدبي في (أدلجته) على مدى عقود طويلة أو طوال التاريخ الأدبي – إن كانت لي معرفة كافية (مستحيلة) حول الحصر الشامل للأدب – متجاوزاً الإشارة للشخصيات المعاقة (سمعياً، وبصرياً، وحركياً،..الخ) بإستثناء مرات قليلة أو نادرة جداً مثل شخصية (سيلفر) في رواية (جزيرة الكنز) للروائي الأسكتلندي (روبرت لويس ستيفنسون) وهي في الحقيقة ليست شخصية معاقة (حركياً/مشلولة حركياً بالكامل أو جزئياً) بل أن (سيلفر) كانت له رجل إصطناعية خشبية – أي كان قادراً على أن يعوض بها رجله المفقودة (المبتورة) بصورة مدهشة تتفوق على الحركة الطبيعة لرجل الإنسان كم أنه أظهر تفوق كبير ((بعقليته الذكية)) على رصفائه القراصنة! في مضمون واضح موجه لنا نحن مجتمع (البشر الطبيعيون) أن (الإعاقة) في عقليتنا نحن (المعاقة) التي تنظر (للمعاق) نظرة نقص وشفقة أحياناً لا تعطي التعامل الطبيعي مع حالته التي إذا أحسنا النظر إليها بعيننا (العاشرة) سوف نجد أنها (مثلنا) تماماً لا تختلف عننا في شيء سوى (نظرتنا) السلبية إليها، وليس هي في (المعاق) فعلياً، كلمة (إعاقة) نفسها أو الإشارة إلى أن هذا الشخص (معاق) هي ما تعكس أنه معاقا كلياً (سمعياً، بصرياً، حركياً..الخ) هي كلمة غير حميدة لها أثرها النفسي البالغ على المعاق (سمعياً) أو (حركياً) مثلاً ، لذا وجوب إستخدام كلمة (معاق) مع تحديد نوعية (الإعاقة) بالضبط أمر مهم جداً في مجتمع (الإعاقة)، كذلك لا ننسى أن أكثر إعاقة تم تداولها أو إبتذالها في أدب الرواية والقصة القصيرة هي شخصية (المعاق عقلياً/المجنون) وهي شخصية تم توظيفها لإغراض سياسية في الغالب تخوض ثورتها الخاصة ضد السلطة والمجتمع (المعاق فكرياً) بمفهوم أن (غير العاقل/المجنون) إن كان يفهم بصورة أفضل أو يملك الأدوات النقدية الأفضل في نقد وتحليل المشهد السياسي أكثر من (العاقل/الطبيعي) هذا ما يعني أن على (العاقل/الطبيعي) أن يعيد صياغة (عقليته) كما على السياسي الحاكم أن يذهب إلى مزبلة التاريخ إن كان (المعاق/عقلياً) قادراً على إستوعاب سياسته الطاحنة.. ! (هكذا صرخ المجنون) لي (إيهاب عدلان) نموذجاً في الخطاب السياسي على لسان الشخصية (المعاقة) ، وهو بالمقابل خطاب لم يوظف لينحاز لمناصرة قضايا (الإعاقة) في حد ذاتيها (إعاقتها) وهذا أمر قد لا يتصالح معه مجتمع (الإعاقة) العميق في نظرته.
لا أشمل جميع الكُتاب لكن أعتقد بخلاف أنانية الكاتب في إنحيازه المطلق لقضية رصيفه (الإنسان الطبيعي) أي إذ إعتبرنا أن الخطاب السردي في العادة وعلى مر التاريخ الأدبي تناول الشخصيات (الفقيرة، المهمشة والمنسية في الزمان والمكان، المريضة نفسياً، المريضة عقلياً، المحاربة، الشاذة جنسياً حتى..الخ) هو في الغالب جاهل بمجتمع (الإعاقة) وبلغة (الإعاقة) ليكتب عنها وهذا ما يعكس لنا بصورة مجحفة للحق الإنساني المتجزي في حقوقه بين مجتمع الإنسانية الواحد (الخصوصية الإجتماعية بمجتمع الإعاقة) وهنا إذ كان لنا سؤال مهم: لماذا لا يتعلم الإنسان الطبيعي لغة الإشارة التي تخص المعاقين سمعياً بينما يتعلم لغات أخرى مثل الفرنسية والروسية والألمانية!؟ هل لأن مجتمع (الإعاقة) غير محسوب بينه!؟ أو لماذا لا يتم إدراج هذه اللغة في المنهج العلمي لمجتمع الإنسان الطبيعي!؟ وهل هناك مجتمع إنسان طبيعي وإنسان لا طبيعي!؟
من الواضح أن كل إجابة توضح لنا (الفصل الإجتماعي لمجتمع الصم عن المتجمع الإنساني الطبيعي) لكن أن يمتد هذا (الفصل) إلى الأدب نفسه هذا ما يعكس دهشة (التهميش) و(الإنانية) الكبيرة عند الكُتاب (الإنسان هميم نفسه) أي كل كاتب تشغله هواجس وطموحات وآمال نفسه فسرعان ما يتحول من كاتب هاجسه (الفقر) إلى كاتب معاق (حركياً) هاجسه (الإعاقة) سوف يوجه خطابه نحو (الإعاقة/ومجتمعها) في أدب ما نسميه بطريقتنا الخاصة أدب (الإعاقة) وهل هناك أدب (إعاقة)!؟ إذن من الواضح المؤكد أن (المعاق) لا يشكل مركزاً إنساني و(كوني) وإلا لما لا نشهد (المعاق) رئيساً لدولة، وزير ثقافي، عضو في منظمة دولية، أمين عام الأمم المتحدة..الخ ، بل لما نشهده كشخصية بطولية (روائية) صانعة للتوازن الكوني!؟ هل لأن لا وجود لواقعيتها في واقعنا المعاش اليومي (الوظيفي) ليكون لها وجود في واقع خيالنا الأدبي!؟ بالفعل هي موجودة كحالة إستثنائية مثل المفكر وعميد الأدب العربي (طه حسين) الذي يُعد واحداً من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة ، ولو أنه فقد بصره نتيجة لمرض (الرمد) إلا أنه كان ذات بصيرة نافذة مكنته من الدراسة بالأزهر وبالجامعة الأهلية وحصوله على الدكتوراة عام 1914 قبل أن يُبتعث إلى فرنسا ليكمل دراسته الجامعية، ثم يعود إلى مصر ليعمل أستاذاً للتاريخ ثم أستاذاً للغة العربية وعميداً لكلية الآداب، ثم مديراً لجامعة الإسكندرية، ثم وزيرًا للمعارف، إضافة لعمله في تأليف مؤلفات عديدة أشهرها: في الشعر الجاهلي، ومستقبل الثقافة في مصر، والأيام أشهر أعماله..الخ.
(ستيفن هوكينج) كذلك هو عالم فيزياء يعد من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون ، حيث حصل من جامعة اكسفورد على درجة الشرف الأولى في الفيزياء ، لكن من حسن حظه الجيد أنه حصل على هذه المكانة المرموقة التي لا يمكن تجاوزها من مجتمع (الإنسان الطبيعي) قبل أن يصاب بمرض العصبون الحركي أو مرض (لو جريج) الذي جعل من خطابه مدغم (التعسر في التلفظ) وهو في سن الواحد والعشرين من العمر! أي هل كان يمكن قبل ذلك أن يتلقى (ستيفن هوكينيج) مساعدة في ترجمة لغته (البصرية) التي إبتكرها من عند ذاته إلى اللغة المألوفة الطبيعية (لغة حديثنا الشفهي اليومي)!؟ كم حدث مع عميد الأدب العربي (طه حسين) بأن يحظى بأهتمام واسع من المجتمع العلمي والأدبي!؟ من المؤكد أن العالم سوف يتجاهله كما تجاهل العشرات من العباقرة (المعاقين) في مختلف (إعاقاتهم)! هذا حكم يأتي من حيث الطبيعة السائدة في مجتمع عالمنا الإنساني عموماً وليس من حيثيات أخرى موضوعية ومنطقية.
الطبيعي والغريب في الأمر أن (ستيفن هوكينيج) نفسه قام مع زوجته بعد مرضه بحملة إنسانية من أجل تحسين طرق الوصول لذوي (الإعاقة) في كامبريدج مثل تكييف مساكن الطلاب في الجامعة وغيرها!
في الحقيقة ما يجعلني أخصص (الإعاقة الإنسانية) في الأدب هو أن الأدب الأداة التي كان يمكن لها أكثر من غيرها أن تساهم في عملية الإندماج أو الوحدة الإجتماعية بين المجتمع (المعاق) الذي تمت تفرقته نتيجة للعقلية السذاجة التي بنت فكرتها من فطرة إجتماعية فكرية خاطئة وبين مجتمع الإنسان الطبيعي، خصوصاً أن الأدب يحسب أنه أكثر أداة محايدة من حيث (اللغة) في القدرة الممكنة والمتاحة (للمعاق) في مدى معرفته للعالم عبر أداة القراءة ومعرفة الآخر له بالمقابل كشخص (معاق) قادر على أن يعرف بنفسه عبر الأدة نفسها.

تعليقات
Loading...