عثمان الشيخ يكتب :بعض آثار ونتائج مناهج التعليم البريطاني السالبة (2).

الخرطوم :مرايا برس

٢/ الاقتصاد
يندرج الإقتصاد السوداني قبل الإستعمار تحت الإقتصاد التقليدي الذي يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية الزراعة و الرعي و ما يُشتق منهما، و هو اقتصاد اكتفاء ذاتي تنتج منه تجارة محلية محدودة و تخزين فائض الحبوب في المطامير و الاحتفاظ بطعان الماشية بعيدا عن الاستثمار . تصاحب هذا النشاط صناعات محلية بسيطة مثل صناعة الجلود والأخشاب و الفخار و الصوف و النسيج و الحديد وسعف النخيل وزيت الطعام وشحوم الحيوانات و الطاقة و أدوات الزينة و الأعشاب الطبية وغيرها. كل هذه الصناعات التقليدية لا تحقق عوائد كبيرة يمكن ادخارها أو استثمارها في منافع أكبر.
كانت المصنوعات الراقية تأتي من الحجاز ومصر والحبشة مثل الأقمشة و الأواني و الادوية و السكر و الحلويات و العطور و أدوات الزينة و غيرها.
فتح المستعمر البريطانى باب استيراد البضائع ذات الطابع الاستهلاكي مقابل تصدير الحبوب الزيتية و الصمغ العربي و الجلود و الأعشاب الطبية و العاج و المعادن وغيرها وأنشأ لذلك الشركات الكبيرة بريطانية الأصل والتي وظفت التجار المحليين في الوكالة التجارية نيابة عنها.
لم ينغمس المستعمر في عمليات الاستثمار فى اكثر من المواد الاستهلاكية المحلية مثل صناعة زيوت الطعام و صابون الغسيل و بعض الأدوية والأحذية والمياه الغازية و الروحية و غيرها.
نشأت حاجة ملبوسات الجيوش البريطانية العاملة في البلاد المستعمَرة حارة المناخ إلى إنشاء شركة بريطانية لزراعة القطن الذي يصدر إلى بريطانيا ليأتينا بعضه قماشا قطنيا باثمان غالية. و كذلك الجلود و الصمغ العربي و الحبوب الزيتية التي تصنٌع في مصانع بريطانيا وتصدر إلينا بضائع استهلاكية غالية الثمن.
نشأت نتيجة لذلك طبقة من الأثرياء عملت في التجارة المحلية والخارجية الصادر و الوارد و نشأت مهنة تجارة الإجمال والتوزيع والوكالات التجارية فتراكمت لديها الأموال فصارت طبقة طائلة الثراء عمرت المدن والعواصم و حازت الأراضي والمتاجر والمنازل و ادخرت أموالها المتراكمة في البنوك الأجنبية المنشأ .
استلطفت حكومة الاستعمار اسرا بعينها و دعمتهم ماديا و سياسيا و معنويا لتقتل عن طريقهم روح المقاومة فظهر آل المهدي و آل الميرغني و آل الشريف يوسف الهندي تحديدا ، و تم تعميدهم و تاهيلهم للسيطرة الجغرافية على السودان حيث تمدد نفوذ آل المهدي في غرب السودان و النيل الأبيض و جزء من الشمالية و امتد نفوذ آل الميرغني في شرق السودان و الشمالية و الجزيرة و امتد نفوذ آل الشريف يوسف الهندي الي شرق السودان و الجزيرة.
تقاسمت هذه الأسر الثلاث النفوذ الروحي ومن ثم التبعية السياسية فى العاصمة القومية فكان نفوذ ال المهدي و الأنصار و حزب الامة يطغى على ام درمان و يطغى نفوذ آل الميرغني و الختمية وحزب الشعب الديمقراطي على الخرطوم بحرى وانحصر نفوذ آل الشريف الهندي و طائفة الهندية و الحزب الأتحادي في ضاحية برى الشريف التي منحت خصيصا لهم. أُنشئت عاصمة السودان الجديدة في الخرطوم و يلاحظ اخلاؤها من النفوذ الوطني أو الطائفي بعد توطين اتباع هذه الطوائف في نطاقات جغرافية تشكل نهايات النفوذ الجغرافي الطائفي
Terminals العازل الطبيعي
بين أهل البلد و الغرباء و بين فئات المواطنين بحيث لا تتصادم هذه القوميات و الاتباع و يسهل حراكها و انتقالها السلمي بين قواعد جماهيرها في الأقاليم و زعاماتها و قياداتها في العاصمة المثلثة كما كانت تسمى و بحيث لا تحدث صدامات و احتكاكات سياسية أو طائفية أو قبلية بينهم .
وزعت الحكومة البريطانية الأراضي والامتيازات المادية و النفوذ الروحي على هذه الزعامات و حشدت لها تبعية جماهيرية واسعة.
وظف المستعمر الإدارة الأهلية و ربطها بهذه الطوائف الدينية في تحالفات إدارية و سياسية.
واجهت هذه التحالفات ذات النفوذ التقليدى المتمكن القوى الحديثة أو الخريجين و عرقلت مساعيهم في إنشاء أحزاب سياسية على النمط البريطاني. كانت النتيجة أحزاب خداج قواعد امية بزعامات مستنيرة و جماهير طائفية أمية تابعة ( أحزاب الإشارة). و لربما كان هذا أسوأ ميراث ورثته الأمة السودانية عندما نشأت الأحزاب السياسية نشوءا صناعيا مشوها و غير طبيعى ورثنا وباله و خباله نحن الأجيال الحديثة.
وفدت على السودان من شمال الوادي أو مصر ، الأحزاب العقائدية وذلك عندما ضاقت مواعين التعليم العالي التي أنشأها المستعمر بطلاب العلم وهاجر بعضهم للدراسة في مصر التي صدٌرت لنا الأحزاب العقائدية مثل الحزب الشيوعي و الاخوان المسلمين و الاشتراكيين القوميين العرب(الناصريين)
بدات هذه الأحزاب في خصومة واضحة و اختلاف بين مع الأحزاب السودانية التقليدية و كان أكثرها شراسة و أثرا في ازكاء هذا الخصام و التفريق و التشرزم بين المواطنين السودانيين ، الحزب الشيوعي السوداني المدعوم ماليا و فكريا و ثقافيا و تنظيميا من الاتحاد السوفييتي.
انقسم الناس الي أحزاب رجعية و أخرى تقدمية بغض النظر عن المحتوى الفكري فكل من يؤيد الفكر السياسى الشيوعي فهو تقدمي و يظل معارض الفكر الماركسي الشيوعي رجعيا و ظلاميا و متخلفا مهما كان حظه من التعليم أو التدين أو الثقافة .
اورث التعليم البريطانى السودان مزيدا من الانقسام القومي و الخصام الوطني لا زلنا نجني ثماره المسمومة. إذ بدأ الانحياز إلى فسطاطين لا ثالث لهما ، المتعلمين وغير المتعلمين الموظفين والمتحضرين و البسطاء من العمال و المزارعين و الرعاة و بين سكان المدن و سكان القرى و الأرياف و الأحزاب التقليدية والأحزاب الحديثة.
ظل الإستعمار يدعم ويغذي هذه الفروقات والخلافات و الإختلافات سرا و علانية و هو مبتهج لنجاحاته فى تمزيق الوطن و الأمة و تخلفها. و لا يزال الممثلون يؤدون ادوارهم التراجيكوميدية على مسرح الواقع السوداني المذري البائس إلى يَومنا هذا.
نواصل.

تعليقات
Loading...