عثمان الشيخ يكتب :ديمقراطية الطلاب (٧)

الخرطوم :مرايا برس

لم يمارس الشعب السوداني الديمقراطية السياسية الحزبية المعاصرة في تسيير شؤونه العامة،ولم يكن بعيدا عن مبدأ الشورى و مشاركة الرأي فكانت القيادة الاجتماعية و السياسية تمنحها الاعراف القبلية و الصوفية لزعماء القبائل و شيوخ الطرق الصوفية.
دخلت الديمقراطية السياسية المعاصرة مع التعليم المدني البريطاني و نشوء طبقة من المتعلمين المدنيين. تشربت هذه الطبقة، محدودة العدد و الأثر ، بالعلوم المدنية مثل التاريخ والجغرافيا والادارة والقانون والسياسة. نشأ الاحساس الكثير بمقاومة الاستعمار و نيل الاستقلال نتيجة لانتشار الصحف و المجلات و الكتب العربية و الانجليزية و بواسطتها تم الانفتاح على الخارج. كان وقتها الصراع بين المعسكرين الامريكاني و السوفييتي لتقاسم النفوذ الدولي في قمته.
التقط الطلاب قفاز التحدي ودخلوا حلبة السياسة من باب الكفاح لنيل الاستقلال و التحرر من الاستعمار و ممارسة الحكم الذاتي . كان الطلاب الجامعيون هم الفئة او الطبقة الاكثر دراية و ارتباطا بالسياسة الخارجية و ما يدور من تنافس للسيطرة على الدول الناشئة.
انعكس هذا الوضع على طلاب جامعة الخرطوم الذين كانوا في طليعة مقاومة الاستعمار مقاومة مدنية و سياسية.
تأثر طلاب جامعة الخرطوم بهذا الكفاح باجماع الطلاب على محاربة الاستعمار و اختلفوا حول تعريفه. يعتبر الشيوعيون ان احتلال البريطانيين و المصريين هو الاستعمار و ان المعسكر الشيوعي يساعد الدول على تحررها من الاستعمار و نيل استقلالها. يرى الاخوان المسلمون ان الانتماء للمعسكر الشيوعي هو انتماء الى استعمار ايضا بدليل خضوع دول شرق اوروبا للشيوعية.
لشرح هذه الاختلافات لا بد من الاطلاع و التثقيف السياسي فاستعان الطلاب الشيوعيون بالكتب الماركسية المترجمة و ظهرت اسماء مشاهير من مفكرين و ساسة و مناضلين امثال لينين و استالين و خروتشوف و جوزيف برول تيتو و ماوتسى تونق و جواهر لال نهرو و هوشي منه و احمد سوكارنو و جان بول سارتر و روجيه غارودي وتشي جيفارا و من العرب و الافارقة جمال عبدالناصر و احمد بن بيلا و احمد سيكوتوري و جومو كنياتا و كوامي نكروما و جوليوس نياريري و بياتريس لومومبا ومالكوم اكس و القس مارتن لوثر كنغ من المناضلين الامريكان و المناضل الجنوب أفريقي نلسون مانديلا و المناضلة المغنية الافريقية مريم ماكِبَّا و غيرهم. انكب الطلاب على الاطلاع و التثقيف السياسي فاشتهر الكتاب المصريين الشيوعيين او العروبيين والاسلاميين امثال عباس محمود العقاد و سيد قطب و محمد قطب و محمد الغزالي و مصطفى محمود و خالد محمد خالد و مالك بن نبي و المودودي و كثير من الكتب المُترجمة الى العربية. كان طلاب جامعة الخرطوم من اكثر الفئات في السودان اطلاعا و قراءة و ثقافة في كل المجالات و كان ذلك عصر الثقافة الذهبي و الوقت الذي سارت فيه مقولة (القاهرة تؤلف و بيروت تطبع و الخرطوم تقرأ) . انتشرت المكتبات في الخرطوم و المدن السودانية لتوزيع الكتب و المجلات و الصحف العربية التي تجد رواجا كثيرا. كان الطلاب الاسلاميون يغتنون كتب المفكرين الاسلاميين عربا و غير عرب كما كان الماركسيون يحتفون بكتب دعاة الاشتراكية و التحرر من الاستعمار العربية و المترجمة.
كان نشاط اتحاد طلاب جامعة الخرطوم نشاطا ابداعيا مستداما يعج بالمحاضرات التي يستقطب الطلاب فيها نجوَم الفكر والسياسة و نجوم الفن و الادب و الصحافة. تتنافس التنظيمات السياسية في استقطاب السياسيين العابرين من خارج السودان اذا اتيحت لهم سانحة زيارة السودان.
كان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم اشبه بسوق عكاظ سياسي سوداني . جعل هذا النشاط السياسي الكثيف الطلاب السودانيين اكثر طلاب افريقيا و البلاد العربية تحررا و تشبعاً بالسياسة و ارتباطا بحركات التحرر من الاستعمار الأفريقية و العالمية.
كانت الأحداث السياسية العالمية تنعكس بسرعة البرق على نشاط اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. يصف الطلاب الشيوعيين الطلاب الاسلاميين بالرجعية و التبعية للمعسكر الرأسمالي الأمريكي و يصف الطلاب الاسلاميون الطلاب الشيوعيين بالذيلية للاتحاد السوفيتي.
برعت صحافة الحائط الطلابية في نقل الاخبار السياسية المحلية و الكونية و حشد فنيات الاخراج الصحفي لجذب القراء من داخل الجامعة و خارجها كوسيلة لاكتساب المؤيدين و استقطابهم و تنويرهم.
يأتى موسم انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم كخاتمة لنشاط طلابي سياسي ثقافي اجتماعي أكاديمي خدمي يستمر طول العام بقيادة التنظيم الفائز في انتخابات الاتحاد و برعاية فنية و ادارية من ادارة جامعة الخرطوم و بدعم معنوي من خارج اسوار الجامعة.
لا غرو ان برز اغلب قادة السودان في السياسة و العلوم و الاقتصاد و الادارة من الذين تخرجوا من تلك الجامعة و تدربوا على القيادة السياسية من خلال نشاط اتحاد طلابها الاشهر على نطاق القطر. كثيرة هي اسماء مشاهير الساسة و الادباء و العلماء الذين تلقوا العلم في جامعة الخرطوم. كانت جامعة الخرطوم تسمى الجميلة و مستحيلة لاسباب موضوعية تستحقها.

تعليقات
Loading...