عثمان الشيخ يكتب: مسجد جامعة الخرطوم حقائق وحكايات.

معادلات:مرايا برس

شهد العام ١٩٦٥ استيعاب جامعة الخرطوم لأكبر دفعة في تاريخها الأكاديمي. ١٢٠٠ طالب و طالبة دفعة واحدة ، أربكت إدارة الجامعة إداريا و وضعت الجامعة في تحد من حيث كفاية و كفاءة لوجستيات و حسابات المؤسسة الأكاديمية العريقة في الاعاشة و السكن و الخدمات… الخ. بلغت ميزانية ذلك العام الأسطوري مليوني جنيه سوداني تساوي الآن أجرة رحلة راكب واحد داخل (هايس) أو سيارة كورية ملاكي من الخرطوم إلى مدني زمن الكوفيد ١٩.
و كما أربكت هذه الدفعة ، كثيرة العدد الإدارة لوجستيا ، أربكت كذلك الوسط السياسي الطلابي .
كان إتحاد طلاب جامعة الخرطوم KUSU في ذلك الزمن الجميل أقوى و أخطر تنظيم نقابي في السودان و يتنافس فيه الجبهة الديمقراطية (طلاب الحزب الشيوعي السودانى) و الاتجاه الاسلامي (طلاب الاخوان المسلمون) .
سطع ، بعد ثورة أكتوبر المجيدة ، نجم الدكتور حسن عبدالله الترابي ، أستاذ القانون الدستوري و عميد كلية الشريعة و القانون بجامعة الخرطوم و أصغر عميد كلية منذ إنشاء جامعة الخرطوم سطوعا اسطوريا إذ كان هو أيقونة ثورة أكتوبر و نجمها بلا منازع .
يمنع دستور إتحاد طلاب جامعة الخرطوم تصويت طلاب السنة الأولى حتى يكتسبوا الرشد السياسي (منتهى الشفافية و الضبط الأخلاقي و السياسي).
يتنافس على إستقطاب الطلاب وكسب أصواتهم الشيوعيون والإخوان المسلمون و تنظيمات يسارية أخرى أقل انتشارا و لكنهم متحالفون مع الشيوعيين . كانت الغلبة دائما للشيوعيين وحلفائهم.
كسر الاتجاه الإسلامي هذا التقليد بإختراقهم لحصون الجبهة الديمقراطية و خطفوا زمام المبادرة لتوظيفهم أيقونة الثورة الدكتور الترابي في الحملات الإنتخابية حيث إنحاز غالبية الطلاب بعد إنتقالهم للعام التالي و السماح لهم بالتصويت(التمثيل النسبي) أيضا من آليات تحقيق الشفافية و الضبط السياسي.
اكتسح طلاب الاتجاه الإسلامي إنتخابات إتحاد طلاب جامعة الخرطوم و كان ذلك أكبر نصر طلابي في تاريخهم السياسي و ذلك بفضل الله ثم بفضل براعتهم في إدارة المعركة الإنتخابية موظفين ضخامة عدد الدفعة التاريخية و نجومية الدكتور الترابي و إستفادتهم من لا ديمقراطية الشيوعيين الذين ساندوا عسكر نوفمبر رغم إدعائهم الديمقراطية. كانت هذه أول بركات الديمقراطية و الثبات على المبدأ التي منحها الله تعالى لطلاب و طالبات الإتجاه الإسلامي .
شيدت الجامعة ، على عجل ، داخليات جديدة لمقابلة الزيادة الكبيرة في عدد الطلاب و الطالبات.
أطلق الطلاب تهكما على داخليات الطلاب اسم الصين الشعبية حيت تسع الغرفة ٨ طلاب أغلبهم من البرالمة.
بدأ تنظيم الإخوان المسلمين بفرض ثقافته الإسلامية بمطالبتة الإدارة بالإهتمام بالنشاطات التعبدية و رعايتها على وجه التساوي مع النشاطات الجامعية الأكاديمية و الثقافية و الرياضية.
خصصت إدارة شؤون الطلاب قاعات النشاط الإجتماعي لإقامة صلوات الجماعة.
مع تزايد ظاهرة المصلين ، طالب طلاب الإتجاه الإسلامي بتخصيص مسجد جامع ليقيم فيه الطلاب صلاة الجمعة فخصصت لهم الادارة قاعة النشاط الإجتماعي بإحدى الداخليات داخل الحرم الأكاديمي. و باطراد عدد المصلين ، ضاق المسجد بالمصلين ؛ خاصة صلاة الجمعة تحت أشعة الشمس الحارقة و زخات الأمطار . دخل عامل جديد لصالح المطالبة بإنشاء مسجد رسمي للطلاب ، بتزايد إعداد الطالبات و َمطالبتهن بتخصيص مكان لهن لإقامة صلاة الجمعة.
لم يكف طلاب الإتجاه الإسلامي رغم تعنت الإدارة و مماطلتها ، عن المطالبة بمساواة النشاط التعبدي بالنشاطات الأخرى مع ملاحظة تزايد عدد المصلين و المصليات المطرد.
وافقت ادارة الجامعة على مضض(ثقافة علمانية سودانية) بالتصديق بإنشاء مسجد للطلاب و الطالبات . لم يخل تنفيذ القرار من عراقيل وضعها الشيوعيون و اليساريون و العلمانيون تارة بحجة التمويل و تارة أخرى بحجة المساحة الكافية لإقامة مسجد.
مثلما تزايد عدد الطلاب الإسلاميين تزايد أيضا عددهم وسط الأكاديميين و الفنيين و العمال فشكلوا تيارا داعما لطلاب الاتجاه. الإسلامي. أخيرا صدقت إدارة الجامعة بتشييد مسجد للطلاب .
قبل طلاب الإتجاه الإسلامي التحدي و قاموا بحملة تبرعات ضخمة شارك فيها الطلاب و الأساتذة و العمال لدعم ميزانية تشييد المسجد. كان الطالب الإسلامي يدفع خمسين قرشا من مصروفه شهريا.
رضخت إدارة الجامعة ذات الثقافة الأنجلوساكسونية اخيرا لتيار الإسلاميين المتنامي و منحتهم القطعة التي يقوم عليها المسجد الآن. كانت تلك القطعة داخلية للطالبات تسمى داخلية ساندرسون تخليدا لذكرى مسز ساندرسون أول مشرف على شؤون الطالبات .
تبرع أستاذ العمارة الاسلامية بكلية الهندسة و المعمار بجامعة المرطوم الأستاذ محمد محمود على حمدي بتصميم المسجد على الطراز المعماري الإسلامي بتصميم بناية ضخمة بلا أعمدة و بجدران زجاجية توفر طاقة الإضاءة و التهوية و بمصلي خاص بالطالبات و مبتكرات معمارية أخرى كثيرة جعلت المسجد آية معمارية و صرحا إسلاميا في زمانه.
لم يكن مصادفة أن يكون المسجد في موقعه الإستراتيجي الحاكم في قلب الخرطوم و لم تكن مصادفة أن يكون هو ثالث مسجد يقع في محيط وسط الخرطوم بين مسجدي الخرطوم و بحري العتيقين.
الشهيدة السيدة فائزه عبدالرحمن علي طه دفعتي في كلية الآداب جامعة الخرطوم كانت طالبة متزوجة عندما التحقت بالجامعة و كانت طالبة متدينة و مثالية و قمة في الأخلاق و التهذيب و لا غرابة في ذلك فهي كريمة السيد عبدالرحمن علي طه أشهر مربيي الأجيال في السودان و أول وزير معارف سوداني وأحد مؤسسي التعليم و المناهج في السودان. البروفسور فدوى عبدالرحمن علي طه هي شقيقة السيدة فائزة عبدالرحمن علي طه و أصغر منها .
ليس مستغربا أن تستهدف الحكومة الشيوعية مسجد جامعة الخرطوم و التخطيط لإنشاء موقف سيارات تجاري مكانه في الوقت الذي سمحت حكومة جلالة ملكة بريطانيا راعي الكنيسة البريطانية للمسلمين بإنشاء أضخم مسجد في بريطانيا احتراما لحقوق مسلمي بريطانيا و مثلما تبرع طلاب و أساتذة و فنيو وعمال جامعة الخرطوم لتكملة ميزانية مسجد الجامعة تبرعت الدول و المنظمات و الأفراد المسلمين لتغطية تكلفة المركز الإسلامي في Baker Street في قلب لندن.
من بنى لله بيتا في الأرض بني الله له بيتا في الجنة. نسأل الله أن يهدي قريبتنا بروفسور فدوى عبدالرحمن علي طه رشدا حتى تغير رأيها و تبقى على واحد من أشهر بيوت الله في السودان مسجد الجامعة أو مسجد طلاب جامعة الخرطوم. البروفسور فدوى بنت عم السيدة فاطمة عبدالرزاق علي طه عقيلة عمنا الدكتور الدرديري إبراهيم علي مد الله في عمره و متعه بالصحة و العافية .
هذه قصة مسجد الجامعة بإختصار.
و هذه لمحة أيضا من لمحات تفرد دفعة ال ١٢٠٠ طالب و طالبة التي صنعت تحولا عظيماً في تاريخ السودان نسأل الله المغفرة و الرحمة لمن ذهبوا من هذه الدفعة إلى لقاء ربهم و متع الله من تبقى منهم بالصحة و العافية.

تعليقات
Loading...