هبة بت عريض تكتب :حرب السلطة.. المواطن أسير والثروة غنيمة

الخرطوم :مرايا برس

أين هو الفرد السوداني وفاعليته ومبادراتهو، وكشوفاته الفكرية والعملية؟

ولماذا اختفى في الفترة الأخيرة
وحلتّ مكانه الكتل والجماعات والأحزاب والأجهزة الأمنية
والانقلابات والجيوش والمؤسسات والمنظمات غير الرسميه؟؟
ولمصلحة مَنْ تم تغييبه وتذويب شخصيته ؟؟
بل الملاحظ أنه تم الغاء وجوده كلياً كمواطن في وطنه، ولم يعد حتى أداة في يد النظام فحسب،
بل أصبح أداة في يد جماعات تدعي انتسابها للنظام لكنها في الواقع خارجه وخارج أي نظام
بالمعنى الواسع للنظام …
بل انه في هذه الحقبة تم تذويب المثقف والكاتب والاديب، غاب ظريف المدينه ،احاديث النوادي وهمهمات الماره،بل ان الشوارع لم تنجو أيضاً من ذلك الشحوب ،فقد اصبحت ظلماء تتناثر علي جانبيها الاوساخ بعد ان كانت تعج باصوات الماره حتي ساعات الصباح الأولي …
المؤسف أن السودانين يمرون بالمرحله الأكثر قسوة في تاريخهم ، مرحله ابرز ملامحها الحركات المسلحه ،والكتل الحزبيه واللوبيات الخارجيه والتحزبات القبليه والمناطقيه، في وقت ارتفع فيه صوت القبيله وانخفض صوت القوميه لصالح اقليات سطحيه
وظفت كل شيء لمصلحتها دون العامه ، وملمح آخر يميز هذه الفتره النشاز
وهي الهجرات شرعيه وغير شرعيه راح ضحيتها الآف الشباب ،ثم لم تنجو العلاقات الاجتماعية والاسريه من ذلك الغياب بين التشريد والقتل والغياب غير المُبرر ،ثم وصل الغياب الي مرحلة النزوح الكبير موسم الهجره الي الشمال نحو الجاره الشقيقه لاجل التعليم والعلاج والبحث عن الأمان …
وهنا حيث نحن مقيمون اختفت الفاعلية الفردية تماماً،بل إختفى الفرد نفسه
وصار النشاط الفردي وهو جوهر الابداع الفكري والثقافي يعمل في خدمة الجماعات ،
رغم القشرة الوطنية الباهتة كغطاء ،ولم يعد المواطن منفصلاً عن النظام فحسب بل عن ذاته،وتاريخه وهويته وذاكرته،
في سلسلة انفصالات حتى لم يعد يعثر على هويته الفردية إلا من خلال الذوبان في كتل وجماعات : قبائل، أحزاب، منظمات، مؤسسات وجيوش،
وإن كان سؤال العودة الى وطن حقيقي من هذا المواطن يطرح بين وقت وآخر
تحت ضغط الأحداث،
لكن سؤال العودة الى الذات لم يعد مطروحاً،
وكما تفتت المكان وصار ملكية جماعات وطوبته عقارات خاصة،
تم تفتيت ذات الفرد في دوامات لا تنتهي،
وصار السؤال الأهم : نُريد وطناً ؟
لكن كيف تبني وطناً بمواطن تم سحقه على مراحل منظمة؟
حتى قضية الانتماء الى وطن اختفت تقريباً،
وصار فيه الانتماء الحقيقي الى أفكار وأساطير وعقائد وكيانات وكتل واشخاص… وهلم جرا،
اذا لم يكن بدافع الايمان فبدافع الحماية
لغياب الدولة الوطنية وظهور الوعي المحارب أو الوعي الشقي في حرب الدفاع عن أحداث التاريخ بدل السؤال عن رهانات وتحديات ومخاطر الحاضر والمستقبل.
لم يعد سؤال الحداثة السياسية والثقافية والعلمية مطروحاً،
صارت الأسئلة تُطرح من متسلقين ، مشعوذين ودجالين من طبقة فراغية سطحيه تنتج العطب فحسب،
تتعلق بالاثم وأفضل طريقة للسيطرة على مواطن جعله يشعر دائما بالاثم
علي أحداث تاريخ لا ناقة له فيها ولا جمل،
لأن الآثم لا يريد الحرية بل الغفران،
بل اصبحت الأسئلة اليوم عن الحاجات اليومية الملحة كالمعيشه والرسوم الدراسيه والكهرباء والراتب ، حتي الحديث عن النظافة العامة
والمجاري والصرف الصحي اصبح غير مهم في وجود الأهم …
يحدث كل ذلك في حصار ثقافي
مدروس ومستهدف بطرق مبتكرة وأكثر دهاء في تلاعبات خارجية،
وخلق أزمات مفتعلة ومتاهات تتجدد كل يوم
عبر مراحل الثقافة السياسية التبسيطية التي تختزل وتسطح الأحداث،
وتعتبر الحدث الأخير هو الحدث الأول مع عجز معرفي في الربط بين الظواهر والتعامل مع الاحداث كجزر منعزلة وقطائع
وهي خاصية العقل الاختزالي المتخلف.
نحن في زمن الصيد والشعب طرائد وكل التاريخ هو حكاية صياد.
السؤال الأخير :
هل غياب المواطن السوداني مرتبط باسباب الأمس ؟؟
الحصار ، الايديولوجيات ، دول الجوار، الاطماع الخارجية،
وان مايحدث اليوم تراكم تلك التجارب في المحو والحذف والالغاء وصناعة الكتل والجماعات المتحزبة ؟؟
نحن أبناء اليوم إلا أننا مبتوري الذاكرة،
وما يظهر على السطح من عاهات وفقاعات ليس قاع البحيرة الأعمق،
ليس المرض الحقيقي بل أعراضه فهل نتعالج ام يستمر المرض ينخر اعضائنا حتى الموت !!!!

أقيموا بني وطني صدورَ مطِيِّكُم فإنِّي إلى قومٍ سِوَاكُم لأَ أمِيلُ..
فقدْ حُمَّت الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ وشُدَّتْ لِطَيَّاتٍ مَطَايا وأرْحُلُ..
وفي الأرضِ مَنْأَى للكريمِ عن الأذي وفيها لمنْ خافَ القِلَى مُتَحَوَّلُ..
لعَمْرُكَ ما بالأرضِ ضيقٌ على امرِئ سري راغباً او راهباً وهوَ يعقل…
ولي دُونَكُم أهلُ سِيدٌ عَمَلَّسٌ وأرْقَطُ زُهْلُولٌ

تعليقات
Loading...