الكاتبة اليمنية صوفيا الهدار تكتب قصة قصيرة بعنوان :السلم والثعبان.

الخرطوم :مرايا برس

تدحرج حجرا النرد واصطدما على رقعة اللعب، فكان مجموع ما قرآه، ستة.

عند نقطة البداية، ودعته أمه بقبلة، بعد أن وضعت “جزء عم” في كيسه  النايلون، كن ولدا مطيعا واسمع كلام الشيخ.، هكذا قالت.
خطا خطواته الست نحو السلم المؤدي إلى المسجد،  هناك جلس شيخ وقور بلحية بيضاء، وحوله أطفال دائبون على حفظ القرآن ، انضم ليكمل الحلقة، كان نبيها، وسريع الحفظ، أخذ الشيخ  يكافئه بتربيتة على رأسه وكيس من التمر أحيانا، وفيما بعد كان يربت على كتفه وقد يهديه قارورة من عسل، ومن شدة إعجابه  أصبح يربت على فخذه، ويميزه بأن يدعوه إلى حجرته خلف المحراب ليريه كنوز الكتب.
هذه الحفاوة ملأت قلبه سرورا، ونشوة، وذات ظهيرة، دعاه شيخه للحجرة الخلفية، أغلق الباب. اقترب منه، احتضنه، وهنا رأى شيخه وقد استحال  ثعبانا بعمامة، ارتجف، لكن الثعبان عصره، حطم عظامه، ثم لدغه لدغته المسمومة.
في قاع الهاوية سقط مشوشا يرتجف، أيقظه من غيبوبته صوت ارتطام الحجرين على الرقعة.
تقدم سبع خطوات دون أن ينظر للوراء، جسده بالكاد يحمل قدميه، يداه تقبضان بشدة على ثيابه وكأن كل الأيادي تريد انتزاعها من عليه، ودموع حرى تحرق وجنتيه، والكثير من الصور تتحطم في عينيه، 
وجد سلم  المدرسة في انتظاره. في آخر الصف كان يجلس، وفي زاوية الساحة كان يقضي وقت استراحته، هكذا وحيدا اختار أن يبقى. وفي يوم شتوي بارد أجبره نداء الطبيعة أن يتجه نحو دورة المياه، كم كان يكره الأماكن المغلقة.
هناك، وجد مجموعة من الثعابين الصغيرة تدخن خفية، ارتعب حاول الهرب، لكنهم انقضوا عليه، حاول المقاومة كانوا أكبر منه سنا، التفوا حوله، ولم يفلتوه،  حتى أسقطوه في الهاوية،،
تمنى لو أن الرقعة تنشق وتبتلعه ،لكنها لم تفعل. ركض بكل ما أوتي من خيبة، وبكل ما تبقى من قوة، ركض يسابق حجري النرد الذين، كادا أن يقعا على رأسه معلنان أقصى ما يستطيعانه.
على بعد هذه الخطوات انتصب سلم طويل، تردد في الصعود عليه، ولكنه قرر أخيرا أن يتعلم كيف يحمي نفسه . في أعلى السلم استقبلته الصالة الرياضية. أشهر من التدريبات القاسية فرضها على نفسه، أراد أن يكون له جسد مثل مدربه الشاب ذو العضلات المفتولة. كان يرى فيه قدوته، ورغم هذا كانت عيناه ترصدان  أي نظرات مشبوهة، وجسده يتفادى أي  لمسات وإن بدت بريئة.
ميداليات كثيرة كانت تزين الجدار، وكؤوس ذهبية لامعة انتصبت على الرفوف. فضوله الطفولي، دفعه للاقتراب  بدت الغرفة خالية من أي شخص، اطمأن،  خطا نحو الداخل، أخذ بصره يسرح وبدأ يحلم ببداية جديدة، انتبه لخطوات خلفه، وعندما التفت للوراء كان الوقت قد فات.
اعتصره الثعبان ذي العضلات، أحس وكأن  الغرفة تدور حوله، والكؤوس تتساقط من رفوفها  على الأرض مصدرة صوت تحطم كبريائه.
وثقت الكاميرا المدسوسة بين دروع التكريم خيبته.، علِق في دائرة الابتزاز،  تنقل الفيديو المصور بين ثعابين أخرى، وهكذا أصبح يدور في حلقة مغلقة، تتلقفه  الثعابين، ومع ازدياد خشيته من انكشاف أمره، تتسع هذه الحلقة بدخول ثعبان جديد.
تدحرج الحجران بعيدا وغابا خارج الرقعة، أخيرا كان السلم الصعب خياره ، في كل خطوة صعدها كان سوط اللوم يلهب ظهره ويعلّم في روحه، ومع كل خطوة للأعلى كان شرفه  ينزلق إلى هاوية الفضيحة.
عندما وصل رأى عدالة خرساء،  وميزان أعوج،  ووجد على كرسي القانون ثعبانا ينام على كتفه نسر وبضع نجوم. 

تعليقات
Loading...