د. أحمد ميرغنى معتوق يكتب: العلمانية!!

مقالات:مرايا برس

الدين الإسلامي لا يمكن أن يختزل في مناسك من صلاة وصيام وزكاة وحج، ولا يمكن أن يختصر في مظهر من لحية وجلباب ونقاب وعمامة ،بل هو أعمق و أشمل ، فالدين الإسلامي فكر ومنهج ، هو إيمان وعقيدة ، يختلف عن بقية الاديان السماوية بأنه لم يدع شيئا إلا ونظمه ولم يترك أمرا إلا وأطره ، ابتداءا من كيف ناكل ونشرب ، كيف ننام وكيف نصحو وصولا الى كيف تحكم الدول ، مستعرضا علاقة المسلم بنفسه ، علاقته بمن حوله على مستوى الأفراد والأسر وعلى مستوى الجماعات والأمم ، مبينا ما لنا وما علينا من حقوق ومن واجبات على كل المستويات وفي كل المراحل ، منذ بداية التشريع وتمرحله والى أن يرث الله الأرض وما عليها.
أفرد الدين الإسلامي مساحات واسعة لتنظيم عمل الدولة وتشريعاتها ، إقتصاديا أقر بالملكية الفردية وحماها ، في نفس الوقت الذي هذبها ، فمنع الربا بكل أنواعه وحرم الإحتكار. أسس نظام ضريبي فصل فيه كيفية جمع الضريبة وكيفية صرفها، سياسيا وضع الخطوط العريضة لكيفية الحكم ، الشورى ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، حتى العقوبات الجنائية فصلها تفصيلا ، أي أنشأ نظام متكامل لإدارة الدولة بكل متعلقاتها.فهل يمكن أن نلقي بكل ذلك عرض الحائط ونستبدله بنظم وتشريعات وضعية من صنع البشر ؟ فلنأخذ الأمر من ناحية الجودة والكفاءه ، فاذا أنتجت شركة ما جهاز معين ، هى من اخترعته وأرسلت معه مانيول التشغيل والصيانة ، هل يمكن أن تأتي جهة أخرى تصمم مانيول تشغيل وصيانة أفضل من الذي صمموه مخترعوا الجهاز ؟ ذاك إختراع وهذا خلق ، وخلق ليس للإنسان فقط إنما لكل البيئة والكون المحيط به ، أضف الى ذلك انه جل وعلا هو المشغل والمسيطر على كل ذلك فكيف لنتاج عقول بشرية محدودة القدرات أن يفكر حتى في إحلال نظامهم بنظام الخالق المسيطر ؟
ومن ناحية أخرى نجد أن الإيمان لا يتجزأ ، فإما أن تكون مؤمنا بكل ما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد (ص) ، او لا تكون (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ، والإيمان هنا ليس إيمان التطبيق وتصديق العمل ، فذلك خاضع لتجاذبات الشيطان والنفس ، وإنما إيمان الإعتقاد والتسليم وكلمة إسلام نفسها لغة تعني التسليم الكامل ، الخنوع واﻹنقياد ، والتشريع نفسه يفصل بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة إيمان فى تشريعاته ، فتارك الصلاة المقر أو المؤمن بوجوبها يعتبر مسلما عاص والمنكر لوجوبها يستتاب ثلاثة أيام لأن عدم الإيمان بأي جزئية من التشريع يخرج عن الملة.
العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة ، فهل يمكننا كمسلمين فصل الدين عن أي شأن من شئوننا الدنيوية ؟ وإن كان ممكنا ، فهل نحن حقا نريد ذلك ؟
العلمانية نشأت في أوربا في العصور الوسطى إبان سيطرت الكنيسة المطلقة على الدولة وأدت تلك السيطرة الى ظلم وتخلف فعالم الفلك الذى اثبت كروية الارض ، أعدم لأن ما اكتشفه يتعارض مع قناعات الكنيسة في ذلك الوقت فأتت كمنقذ انتشل تلك الدول من ذلك المستنقع ، ولكن مالنا نحن بذلك الآن ، ونحن مسلمون؟.
فلنتوخى الحذر حتى لا ننخدع بمحاولات دعاة العلمانية بتزيين الباطل فلا يصح الا الصحيح ولا نجعل تشويه الإسلاميين لصورة الدين ولشرع الله تشوش أفكارنا ، ولا نضل مع من يكون الدين عنده مظهرا ومناسكا، فما عند الله أعظم وإنك لا تهدي من تحب ولكن الله يهدي من يشاء.

تعليقات
Loading...