د. الطيب مختار الطيب يكتب:سوداتل بين مطرقة الحكومة وسندان الإدارة(١)

الخرطوم :مرايا برس

حينما يتحدث المرء عن سوداتل يتحدث عن الشركة الوطنية الأولى في البلاد والمأمول فيها أن تترك أثرا موجبا في الوصول بالبلاد الى الاستقرار الاقتصادي والانتقال بها الى مجتمع المعرفة وصولا الى التنمية المستدامة، وحينما تذكر سوداتل يتبادر الى الذهن مبانيها ومعانيها .
كانت سوداتل الشركة الرائدة في تشييد البنية التحتية من الألياف البصرية التي امتدت كشريان يحقق متطلبات العصر لأكثر من 15 ألف (خمس عشرة ألف) كيلومتر لتصل حتى منافذ البلاد الحدودية وتربطها بالعالم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا .
كانت الرائدة على مستوى الإقليم في حوكمتها ومن أوائل الشركات في الإقليم التي حصلت على شهادة الآيزو (ISO) ان لم تكن صاحبة المبادرة ، وكانت دون منازع رائدة الشركات السودانية في هذا المجال.
كانت من الأوائل في الإقليم في ادخال خدمات الهاتف السيار، والأولى في السودان . تقدمت دول العالم بشهادة غير السودانيين في تحويل مقاسم (كبانيات) الهاتف الثابت من تماثلية (Analog) الى رقمية(Digital )، وكانت على قمة عدد مشتركي الهاتف الثابت حتى 2005م الذي قارب أوفاق المليون مشترك .
كانت سوداتل سندا للدولة باعتبار أن الدولة (الحكومة والمجتمع) هي المساهم الأكبر، تعينها ان خوت خزينتها وعجزت عن الوفاء بالفصل الأول (الأجور – المرتبات) للعاملين أصحاب الدخل المحدود، كما تفعل الشركات الناجحة في الإقليم ، وكانت إيراداتها من العملة الأجنبية الناتجة عن اتفاقيات الربط يتم تحصيلها وتحويلها الى الداخل. نجحت وقتها فاسترد مساهموها منذ حوالي عشر سنوات رؤوس أموالهم ثلاث مرات.
كانت جمعيتها العمومية منضبطة وزاهية ومهذبة وفخمة، وكان مساهموها من خارج السودان أكثر حرصا على حضورها ممن هم داخل السودان . وكانت شعارات مثل المشترك أولا ، واحترام المساهمين وتقديرهم والاعتراف بأن الجمعية العمومية هي السلطة العليا، وهاتف لكل قرية لتشمل الخدمة أقاصي السودان ، كانت شعارات نافذة ولم تكن أبدا على الورق فقط !! .هكذا كانت سوداتل وقد يكون الكثير قد فاتني أن أشير اليه .
وتمر السنوات ويتغير الحال لتختفي جل المعاني الإنسانية والوطنية ان لم يكن كلها، ولتبقى البنية التحتية الضخمة راكدة لم تكلف إدارة الشركة نفسها بتطويرها حتى ئؤدي دورها المنوط بها في اقتصاد الدولة واستقرارها، وتحول قطاع الاتصالات بصورة عامة ومن بينه سوداتل الى الجباية يلهث وراء الربحية ويستنزف موارد البلاد من النقد الأجنبي بتحويلها الى خارج السودان بشتى الطرق بغض النظر عن شرعيية وقانونية ذلك، من غير أن يعبأ بدور القطاع الأساس في استقرار اقتصاد البلاد والوصول بالدولة الى مجتمع المعرفة، ومع ذلك ظلت الحكومات المتعاقبة تغض الطرف حتى الآن عن معاناة الوطن والمواطن وعن وفاء قطاع الاتصالات بالمعايير العالمية، والدليل على ذلك تدني موقع السودان إقليميا وعالميا، والى القارئ الكريم بعض الأمثلة :
أداء قطاع الاتصالات في السودان
## – على مستوى الإقليم والعالم :
1- معدل نمو انتشار خدمات الاتصالات في الدول العربية : حصل السودان على نسبة نمو تساوي 29% بعد احدى الدول التي حصلت على نسبة تساوي 47% بينما وحصلت الدولة الأولى على نسبة نمو تساوي 329%.
2- في مجال خدمة الانترنت (2021م) رصدت تقارير أن السودان هو الأضعف على مستوى الإقليم.
3- في مجال التنافس على تقديم خدمات الهاتف السيار: من 19 دولة عربية حصلت الدولة الأولى على نسبة 76% جاء السودان في المركز 12 بنسبة 56،5 % وحصلت الدولة الأخيرة على بنسبة 31%.
4- في مجال تطور الحكومة الالكترونية: من 16 دولة عربية و193 دولة عالميا، جاء السودان 15 عربيا و165 عالميا.
5- في تقرير للاتحاد الدولي للاتصالات عن السودان : –
في مجال :
– قياس تطور مجتمع المعلومات- مؤشر الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات :
ترتيب السودان= 145 من 176 دولة وقيمة الرقم القياسي للسودان = 2.5 نقطة من 10 نقاط علما بأن المتوسط العالمي = حوالي- 5 نقاط .
– في محور النفاذ:(التوصيل/جاهزية البنية التحتية):متوسط عرض حزمة بيانات الانترنت–المنافذى الدولية– للمستخدم السوداني =2 كيلو بايت في الثانية بينما= 39 ك ب ث في المتوسط عربيا و74.5 ك ب ث في عالميا.
– في محور الاستخدام : غاب الاهتمام بالنفاذ وخدمات البيانات بفئات تلائم الوضع الاقتصادي لكل الفئات لينقل الحاجة الى الانترنت من ترف وترفيه الى ضرورة حياتية ، كما غاب في محور المهارات والتعليم : الاستثمار في الانسان مع وجود البنيات التحتية والعقول، لغياب الإرادة السياسية العليا لتحقيق ذلك .
## – على مستوى البلاد ( الاقتصاد السوداني) :نزيف النقد الأجنبي خلال الفترة من 2006- 2009م –:
حولت شركات الاتصالات ماساوي 174% من رؤوس أموالها بما يقارب ثلالثة مليار دولار في تلك الفترة، بما يعني هذا أن هذه الشركات قد استردت رؤوس أموالها حوالي ضعفين ، ليتحول استثمارها الى استنزاف ، مع ملاحظة أن هذا الرقم هو المسجل لدى مؤسسات الحكومة الرسمية !! ، ذلك بالإضافة الى تضارب بيانات الأرقام ، وكمثال لذلك سجلت أحدى الشركات في الحسابات المراجعة مبلغ = 40 مليون دولار ، بينما سجلت لدى بنك السودان مبلغ = 1283 مليون دولار!!
نواصا انشاء الله في حلقات قادمة لنوضح للمواطن السوداني : كيف تدار أمواله في سوداتل ، وكيف جنت الحكومات المتعاقبة عليها حتى الآن وعلى هذه الشركة وعلى مواطنيها وعلى الاقتصاد السوداني .

تعليقات
Loading...