عادل عسوم يكتب : وجدي صالح، أخشى عليك من مصير روبسبير!!.

الخرطوم :مرايا برس

الخرطوم :مرايا برس

كم كنت أتمنى أن تكون يا وجدي صالح ثائرا حقيقيا وصادقا في أمر العدالة، ولن اجعل الله عُرضة لايماني لأقول لك بأنني كنت -ولم أزل- أرجو محاسبة كل من أفسد وأثرى بلا وجه حق بإسم المنهج الذي أنذر نفسي ويراعي له ليحاكم ويلقى جزاءه، وكم سعدت يوم شاهدت أول لقاء صحفياً للجنة تفكيك التمكين، يومها تحدثت انت يا وجدي فتفرست في وجهك مليا واستمعت إليك، فإذا بي يتبين لي يقينا بأنك لاتهمك العدالة بقدر مايهمك الإنتصار الشخصي والحزب!، وكلما أرى اسلوبك وانت (تمثل) خلال مؤتمرات اللجنة الصحفية وانت تبدل نضاراتك بصورة تشي بالكثير مما يمكن أن يتبينه طبيب نفسي فيك، وكذلك ماتحكيه تعبيرات وجهك وحركات جسدك في ثنايا حديثك؛ أرى فيك شبها بتفاصيل شخصية روبسبير!
نعم ماكسيميليان دو روبسبير ناشط الثورة الفرنسية الذي أصبح مثلك صاحب قرار، بل دولة داخل الدولة تماما كما هو حالك الان!
روبسبير هذا قالت عنه المؤلفة الفرنسية روث سكور بأنه شخصية متداخلة تجمع بين الريبة السياسية والذكاء الحاد، بالإضافة إلى (العداء لكل من حوله)، هكذا صورت روث شخصية روبسبير الذي سبقها وصور نفسه إنسانًا لا يخطئ أبدًا، وأنه مصدر القانون الذي يجب أن يسير عليه الفرنسيون، بل والبشر كافة!
وعندما سألت عنك يا وجدي دُهشتُ حقا للتطابق العجيب بينك وبين شخصية روبسبير!
لقد ولد روبسبير في فرنسا بمدينة آراس عام 1758م، وقد نشأ في أسرة فقيرة، وتوفيت والدته وهو مازال في عمر الست سنوات، فكانت طفولته بائسة، ولم يمر بمرحلة الشباب مثل غيره كما قالت عنه شقيقته فيما بعد.
كان روبسبير ذكيًا ومتفوقًا، حتى أنه اختير من بين الطلاب الذين يلقون بكلمة إبان تتويج الملك لويس السادس عشر عام 1775م، وعاش روبسبير مثله مثل باقي أطياف الشعب من فقر مدقع وظلم وضيق حال، وكان يرغب في المساواة والعدالة مثلهم تمامًا.
أنهى روبسبير دراسته لل(قانون) وأصبح محاميًا شهيرًا، وتميز روبسبير بأناقة الملبس والحديث، وكان يتمتع بقدرة هائلة على الخطابة والتمثيل والتقليد وهو يتحدث!
شفت كيف؟!.
ثم ترقى الرجل في سلم الثورة الفرنسية، فأصبح أول مندوب لمدينة باريس في المؤتمر القومي الفرنسي الجامع مترأسا لجنة تشبه لجنة تفكيك التمكين!، فإذا به يطالب بشدة بإعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته كاملة!، وقد أثار ذلك دهشة كل من حوله، فقد كان روبسبير يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من قبل، وبالفعل تم اختراع مقصلة تحصد الرؤس بسرعة من خلال نصلها الحاد، وتم إعدام الملك.
عقب ذلك تم انتخاب روبسبير رئيسًا للهيئة التنفيذية العليا والأمن العام، فسعى جاهدا لإزالة كافة معارضيه لينفرد وحده بالسلطة، وقام بالمطالبة بإعدام زعماء الثورة الفرنسية مثل ديمولان ودانتون وهيبير مدعيًا بأنهم يطالبون بمصالح شخصية وليسوا بحريصين بمطالب الشعب، وتم تنفيذ حكم الإعدام بهم جميعًا.
وارتكب روبسبير الكثير من المجازر والأهوال في عهده، فأعدم الكثيرين من خلال مقصلة متحركة، وكان يتم إعدام أكثر من اثنين وثلاثين شخصًا في اليوم الواحد، وكل هؤلاء يعدمون بإسم الثورة!، واختلق روبسبير تهمًا غريبة لم يسمع بها أحد قط من قبل!، فالرجل محام وقانوني ضليع كان يحفظ تفاصيل الاجراءات القانونية عن ظهر قلب، وقد كان يضمن اتهاماته الكثير من النصوص ليخرج حكم الإعدام دون أية مطالبة بعدية بتخفيفه أو عدم تنفيذه، ومن السياقات التي كان يستخدمها (التقاعس عن تنفيذ مطالب الثورة)، أو (التعرض للثورة بالسب والقذف)، أو(بث روح التشاؤم وتعكير طهارة الثورة)! وكانت كلها اتهامات عقوبتها قطع الرؤس!.
ولم يتوقف روبسبير عند هذا الحد، بل امتد جنونة إلى إلغاء التقويم العادي فجعل التقويم في فرنسا يبدأ بتاريخ اندلاع الثورة الفرنسية، وأبدل أسماء الشهور والأيام بأسماء غريبة، ثم أنهى الأمر بفكرة جنونية أخرى ألا وهي اكتمال ما يحدث بديانة جديدة من اختراعه، وتم تحويل 2400 كنيسة في عهده إلى ديانة عبادة العقل.
النهاية:
ما فعله روبسبير انتهى بمصير يشبه أفعاله، فقد ذاق من نفس الكأس بعد أن سعى إلى رفع الحصانة عن أعضاء المؤتمر ليبدأ في التخلص منهم جميعًا وينفرد وحده بالسلطة، فقاموا بالإجتماع خوفًا على أرواحهم وقرروا الإطاحة بروبسبير، وطلب المجتمعون من قوة عسكرية الذهاب إلى مقر إقامة روبسبير وأطلقوا عليه الرصاص، فأصابت إحداها فكه، وتم إلقاء القبض عليه وسجن في غرفة ضيقة، ثم حكم عليه بالإعدام بنفس المقصلة التي استخدمها لقطع الرؤوس، وبالفعل اقتيد روبسبير إلى المقصلة، وانتزع الحارس الضمادة عن الجرح الذي أصابه في فكه فصرخ روبسبير ألمًا، وتم إعدامه بذات المقصلة التي صنعها ليقتل بها الناس، وبذلك انتهى عهد ماكسيميليان دو روبسبير.
وللأسف يا وجدي وبالرغم من كونك خريج قانون، لكن لا أظن ثقافتك الحزبية تجعلك تقرأ ماذا قال القاضي ابويوسف تلميذ ورفيق ابي حنيفة النعمان رحمهما الله، لقد قال عندما تبين له تندر الحضور في مجلس قضائه على أحد الذين حكم عليهم بعقوبة، ما كان منه إلا أن أوقف الحرس عن أخذ المدان ثم قال:
لقد حكمت بتخفيف الحكم على المتهم لكونه متضرر مما بدر من الحضور!.
وعندما سئل القاضي ابويوسف بعد ذلك قال مامعناه:
للمتهم من الحقوق مالم يعطاها نكون قد جانبنا العدل.
ولكن أين لبعثي الفكر والطوية أن يفهم ذلك؟ ثم إنني عندما شاهدت واستمعت إلى رأيك في حميدتي وقوات التدخل السريع قبل ثم بعد الثورة؛ تبينت بأنني أمام امروء لاخلاق له ولامصداقية، وليت كل اهل السودان يشاهدونك ويسمعونك في المقطعين (وهما متاحان في اليوتيوب)!.
انها لنصيحة لوجه الله ياوجدي:
احرص على العدل، ولاشئ سوى العدل، ولاتسكرنك السلطة ولا القوة لتظلم ابن آدم، فالظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، ولا تنسى بإنها فترة انتقالية، ومهما سعي حزبك إلى مدها ومطها فإنها ستنتهي وان بلغت 30 عاما، ولاغرو سيأتي اليوم الذي تراجع فيه كل أحكام لجنتك ومناع، وتراجع أفعالك و(اقوالك)، ويومها ستدان كما تدين اليوم.

[email protected]

تعليقات
Loading...