عثمان الشيخ يكتب:المصالحة الوطنية أسرار وخبايا. 3

تداعيات :مرايا برس

سكتت أصوات الأسلحة النارية و سكنت العواصف السياسية الشديدة فترة طويلة نوعا ما ، و لكنها  فترة ليست مأمونة تماما. لأن كل طرف يتوجس من الآخر ولا يأمن صمته ولا يثق في نواياه .

التفت النظام العسكري إلى ترتيب شؤونه الداخلية بعد أن وجه ضربات موجعة لخصميه الماركسيين  واليمينيين ، الأنصار والحزب الشيوعي السوداني.

ركز النظام على الإستمرار فى استراتيجيته لإحداث إختراقات في مجالات التنمية الإقتصادية، الدستورية ،الثقافية، الأكاديمية ،الإجتماعية، العسكرية والدبلوماسية. أدرك النظام أهمية الكوادر البشرية المؤهلة أكاديميا في أحداث الثورة الإدارية فاستقطب العديد من الشخصيات التكنوقراط  وعينهم على مجلس الوزراء  والمؤسسات وقيادات الخدمة المدنية.

أحدث النظام الشمولي طفرات واسعة في مشروعات البنيات الأساسية فأنشأ الطرق المسفلتة و توسع في مشروعات الرى والزراعة و أنشأ الجامعات والمعاهد العليا و اهتم بمشروعات محاربة العطش و تحسين بيئات الزراعة التقليدية و الحديثة وتطوير الثروة الحيوانية والصادرات و تطوير وتسليح و تأهيل القوات النظامية و تدريب الكوادر الأكاديمية .  حاول النظام حل مشكلة الجنوب التي إستعصت عليه مثلما. إستعصت على الذين سبقوه و لم يكن الذين جاءوا من بعده بأوفر حظا منه.

كما حاول تطوير و توثيق علاقاته الخارجية التي أحدث الشيوعيون فيها تأثيراً  سالبا.

لم تكن المعارضة أو الجبهة الوطنية ، بعد خسارتها العسكرية ، في وضع سياسي أو عسكري يشكل تهديدا السلط العسكرية مجددا .

تحول عمل المعارضة إلى نشاط اعلامي ُداخلي و خارجي  و لم يلجأوا مجددا إلى خيار المعارضة العسكرية كخيار إستراتيجي .

أصيبت جماهير المعارضة في الداخل بحالة من الإحباط الشديد في الوقت الذي لم تستسلم المعارضة في الخارج لهذه الضربة العسكرية القاسية بل اعتبرتها مرحلة طبيعية مؤقتة يجب أخذ الدروس والعبر منها و الاستعداد لمواجهات أكبر .

تميل حركة الإخوان المسلمين ، بطبيعة العرف السودانى ، إلى الواقعية و خيار السلام ، و لو لا مبادرة النظام العسكري اليساري بالمواجهة العسكرية ضد الأنصار الحليف السياسي في ودنوباوي و الجزيرة أبا وإضطرار المعارضة للدفاع عن النفس و إحترام الحلف القائم بين الأحزاب الثلاثة ، ما لجأ الإخوان المسلمون إلى الخيار العسكري ابدا .

بعد أخذ واقع متغيرات السياسة المحلية والإقليمية والدولية  والتحالفات والمصالح في الاعتبار ، اقتنع الإخوان المسلمون ألا  مفر من إعتماد خيار السلام والتخلى تماما عن خيار المواجهة العسكرية .

برر الإخوان المسلمون لهذا التحول الخطير  بمسوغات فقهية و تنظيمية و سياسية خاصة و أنه من المستحيل لمعارضة مدنية متباينة الأفكار مواجهة الدولة التى تملك السلاح و المال و الرجال و تتخذ من الخارج منصات إنطلاق أن تهزم أو حتى تصر على مواجهة الدولة لفترة طويلة.

 أدرك الإخوان المسلمون عمق تقاطع و تشابك المصالح و  السياسية و العسكرية و الاقتصادية الخارجية . و الأهم من ذلك ، أنهم رموا   فشل المواجهة العسكرية على عاتق الحزبين الحليفين.

أدرك الإخوان بحسهم السياسي المتقدم أن حكومة الثورة أحدثت تغييرا فى مجمل الاصعدة الإقتصادية والسياسية  والعسكرية والمعنوية وغيرت  موازين الانتماءات السياسية التقليدية إذ وجد المواطنون أن العسكر يملكون مصداقية و جدية و احساس بالمواطن أكثر من الأحزاب المؤتلفة المتشاكسة .

لا أعتقد أن هذا الخيار المفاجئ وقع على الحزبين المعارضين الحليفين وقعا سهلا يمكن قبوله او الموافقة عليه بسهولة ويسر .

إستطاع الإخوان المسلمون بدبلوماسيتهم طويلة النفس و حكمتهم و خبرتهم السياسية إقناع السيد الصادق المهدي زعيم الأنصار و رئيس حزب الأمة بالإنضمام إلى خيار السلام في الوقت الذي ظل الإخوان المسلمون جناح الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد والحزب الإتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف حسين الهندى على موقفيهما فى معارضة النظام حتى إسقاطه.

سعد النظام العسكري كثيرا بإنقسام المعارضة وتصور أن ذلك سيضعفها ويساعد على تلاشيها.

انقسمت المعارضة بين خيار إسقاط النظام والإنتقال إلى وضع غير مستقر وخيار التصالح معه حفاظا على وحدة البلاد وإستقرارها و قطع الطريق أمام التدخلات و المساومات والإرتهان للخارج و التمحور .

بذل الإخوان المسلمون جهودا خارقة للترويج لهذا الخيار و الدفاع عنه  وإستمراره و تحويله إلى إنجاز سياسى و اختراق دبلوماسى .  لم يعجزهم أو يخذلهم الفكر ولا الدبلوماسية  لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجى .

وجد الإخوان المسلمون أنهم يقودون هذا التحول السياسى المحفوف بالمخاطر والذي ابتدروه  ورعوه و روجوا له داخليا  وإقليميا ودوليا مجتهدين  ومتوكلين على الله ثم على أنفسهم . أظهر الإخوان المسلمون حنكة و مهارة دبلوماسية فائقة رغم علمهم أنهم يسيرون في حقل ألغام متعددة الأنواع .

كان عليهم الا يفقدوا الإخوان المسلمين ، الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد ولا الحزب الإتحادي الديمقراطي وقائده الأسطوري السياسي المحنك الشريف حسين الهندي الذي يتطلب  إستمرار الحوار معهم لتحييدهم إذا لم يتسن لهم ضمهم إلى صفهم ، لأنهم واثقون انهم لن يعملوا ضدهم أو الإنضمام إلى صف الحكومة مهما قدمت لهم الحكومة من إغراءات أو مارست عليهم من ضغوط .

كان عليهم أيضا أن يحافظوا على وحدة صفهم الداخلي. افادتهم في تحقيق هذا الهدف وحدة قيادتهم وأهدافهم و دقة تنظيمهم  سلاسة تدفق وتبادل المعلومات بينهم وخلقهم شبكات تواصل محكمة بينهم داخلياً  ومع الآخرين.

اتضحت الرؤيا السياسية واللوجستية لتنفيذ هذا المشروع و هذا ما يقتضى خلق قنوات إتصال ومناخ تبشير محلي وإقليمي لضمان نجاح المشروع تماما وسد كل منافذ وذرائع الإخفاق أو التأجيل .

تعليقات
Loading...