عثمان جلال يكتب:ما بعد مبادرة د. حمدوك.

الخرطوم :مرايا برس

(1)
من موجبات اطروحة الدكتور حمدوك الاعتراف بإخفاق قوى الحرية والتغيير في إدارة مهام الانتقال السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى غدا السودان في شفير الانهيار الشامل(يكون أو لا يكون)، ولعل من خصائص الثورة الديمقراطية العميقة مكاشفة كل قطاعات المجتمع بمطبات ومنحنيات الأزمة الثورية وإلهام الحلول منه، واعتراف حمدوك بالقصور الحرية والتغيير والآخفاق وحفز شركاء الوطن للمساهمة في الحالة تنم عن تفكير خارج الصندوق وحالة نضج ثوري،وتطور في وعي الدكتور حمدوك وانتقال من الذهنية الشعبوية إلى عقل القائد، والقيادة في التاريخ شرط استراتيجي لتحقق ونجاح الثورات لدورها في انتهاض وحفز المجتمع نحو قيم الثورة.
(2)
المبادرة ايضا تنم عن اعتراف بأن قضية أزمة الحكم في السودان متراكمة منذ فجر الاستقلال الوطني 1956، وان كل الاجتماع السياسي الوطني المدني والمسلح شريكا في صناعة واستفحال هذه الأزمة الحدية (ومن كان بلا خطيئة فليرمها بحجر)، وبالتالي يجب أن يكون كل الاجتماع السياسي الوطني المدني والمسلح شريكا في الحل دون إقصاء أو عزل لأي قوى سياسية، وان كان ذلك كذلك فإن عزل حزب المؤتمر الوطني خطأ استراتيجيا بل يجب أن تفسح له رخصة الحرية لإعمال المراجعات الفكرية والسياسية والتنظيمية في فضاءات الممارسة التواصلية والتفاعلية مع المجتمع وحتما فإن هذه المراجعات ستصب في صالح المشروع الوطني الديمقراطي، خاصة أن المبادرة تؤكد أن الحوار الاستراتيجي البناء والمثمر ونبذ العنف وأدوات القوة هما الخيار لحلحلة قضايا البناء الوطني الديمقراطي المستدام، وعبرة التجربة السياسية السودانية تنبئنا انه اذا سدت منافذ الحرية والعمل الدستوري المنظم لأي قوى سياسية وحركة ايديولوجية ستلجأ لخيار الانقلاب (طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان عام 1965 أنتج نظام مايو 1969، إقصاء الحركة الإسلامية من حكومة الوفاق فبراير 1989 أنتج نظام يونيو 1989).
(3)
أزمة دولة ما بعد الاستقلال في السودان تتجلى في انها جعلت الأولوية لتمكين الأيديولوجيات الفكرية والحزبية والذوات والعصبيات ، بدلا من توافق القوى السياسية الوطنية من أقصى اليمين لأقصى اليسار على تعميق قضايا البناء الوطني الديمقراطي، وثمرتها دولة متفاقمة النمو وفاشلة وشبه منهارة.
(4)
لكن من موجبات تراكم الأزمة الوطنية السودانية انها انضجت الحلول وأثمرت حالة وعي جمعي جوهره أن الانظمة الأحادية الاستبدادية لا تصلح لحكم السودان، وان الديمقراطية التوافقية هي النموذج الأمثل للحكم واستمرار الوحدة الوطنية،وان ايديولوجيا قضايا البناء الوطني الديمقراطي يجب أن تعلو فوق الايديولوجيات الحزبية والعصبية،ورسخت من مفاهيم ان روح التوافق والشراكة الاستراتيجية بين كل القوى السياسية الوطنية هي الدعامة الصلبة لإنجاز مهام التحول الديمقراطي المستدام، وإن اصلاح الأحزاب السياسية لتكون قومية، وديمقراطية متحررة من الولاءات الطائفية والاثنية والعرقية ويتم فيها تداول القيادة جيلا بعد جيل ، وان تكون أحزاب جماهيرية، وجاذبة للمواهب والمبدعين والشباب والطلاب والمرأة، وبرامجية تقاس نتائج برامجها بنظرية الإدارة بالاهداف، هي الحصن المنيع لاستدامة الديمقراطية، وتلازم بناء الدولة والأمة وإثراء الهوية السودانية.
(5)
ان مبادرة الدكتور حمدوك جاءت والسودان في لحظة تاريخية حرجة تتساوى فيها حالة الانهيار والتفكك والفوضى، وحالة الاستقرار والانبعاث والوحدة الوطنية، ولذلك فإن العودة لطرح أسئلة وقضايا التأسيس الوطنية الكبرى والعقد الاجتماعي تقتضي احتشاد وتداعي القوى السياسية الوطنية من أقصى اليمين لأقصى اليسار وكل قطاعات المجتمع الحي في كتلة تاريخية وطنية حرجة دون عزل أو إقصاء فالكل شركاء في صناعة ازمة الحكم المتراكمة، والكل شركاء في وضع قضايا التأسيس وصياغة العقد الاجتماعي للحكم، ولذلك فإن الكرة الان في ملعب القوى السياسية الوطنية وقياداتها لتحقيق هذه الغاية الوطنية الكبرى والتي تعني انتصارا لمشروع الثورة السودانية، وإنقاذا لمهام الانتقال والتحول الديمقراطي المستدام، وان الفشل في تحقيق هذه الغاية الوطنية تعني الفوضى والانهيار الشامل والسلام على السودان.

تعليقات
Loading...