في أدب السيرة.. الأستاذ ود الفضل يكتب :محطات في مسيرة الحياة (٤١)

الخرطوم :مرايا برس

كان العمل يسير في تناغم تام رغم العجلة التي اتصف بها السيد الوالي في تنفيذ المطلوب دون مراعاة للموارد المالية وأهداف الموازنة مما أوجد بعض الحساسية بيني وبينه، ولما أحس بذلك، عمد إلى تغييبي عن الولاية ليتولى هو وزارة المالية في غيابي وقد حدث ذلك في ثلاث مناسبات :-
الأولى :حينما طلب مني الذهاب إلى ملكال لحضور إجتماع الولاة الدوري.
الثاني :حينما طلب مني الذهاب للخرطوم لتدبير تمويل الدورة المدرسية الذي يبلغ مائة وخمسين مليون وقد نجحت في ذلك بحمد الله بعد اجتماعي مع إتحاد النصارف والذي قبل ضمانتي الشخصية كوزير مالية ونائباً للوالي وصدق لنا بالمبلغ مما أدى إلى نجاح الدورة المدرسية القومية الخامسة والعشرين بحمد الله.
الأمر الثالث: حينما كلفني بمقابلة رئيس القضاء المرحوم جلال علي لطفي ليسمح بمحاكمة ثلاثة من قيادات الولاية تحت المادة (٥٠) الخيانة العظمى لزعمه بتخابرهم مع التمرد. وفي كل حالة كان يتولى هو مسؤولية وزارة المالية ليصدق ما يشاء من أموال، وأحسب أن هذا كان السبب الرئيسي في طلب اعفائي لاعتراضي على مثل هذا التصرف الذي يؤثر على أداء الموازنة.
وفي أثناء غيابي بالخرطوم اتهم الوالي ثلاث من أبناء الولاية وهم الفاضل حاج سليمان المحامي ودلدوم الختيم أشقر المحامي والأستاذ علي ابوعنجة الموت بالخيانة العظمى لاتصالهم بالتمرد، وطلب مني حينها مقابلة السيد رئيس القضاء للسماح للمحكمة بمحاكمتهم بنص المادة (٥٠)الخيانة العظمى فاعتذرت لعدم علمي بتفاصيل التهمة. وعند رجوعي للأبيض علمت أنه تم لقاء مع بعض العناصر من جنوب كردفان مع الأخوة الفاضل ودلدوم وعلي مما اعتبره الأخ الوالي مخابرة مع التمرد بينما كنا نسعى جميعاً بعد تحرير تلشي وكسر شوكة التمرد لما ينهي المواجهة المسلحة ويصون وحدة الولاية دون اراقة المزيد من الدماء واهدار للموارد. واصل الأخ الوالي في طريق المحاكمة وشكل محكمة برئاسة العميد حقوقي عبدالرحمن زيادة مدير مكتب الوالي، وقد رفض الأخ أحمد هارون المشاركة في هذه المحاكمة، حيث تم الحكم عليهم بالسجن فأرسلوا إلى سجن سواكن في عربة قلاب مما أثار غضب المواطنين لهذه المعاملة غير الكريمة. ثم استؤنف الحكم وبُرئ ثلاثتهم وأطلق سراحهم. كانت هذه الحادثة كفيلة بدق عطر منشم وقلب موازين الثقة بين الوالي ومواطني كردفان لما تميزت به هذه الشخصيات الثلاثة من علاقات إجتماعية بين المواطنين.
بعد النهاية الناجحة للدورة المدرسية إذا بنا نفاجأ باعفائنا كل من محمد أحمد الفضل نائب الوالي ووزير المالية ، اللواء شرطة معاش محمد عبدالملك الطاش وزير الزراعة والرائد معاش عبدالوهاب حسن حسين وزير التربية والتعليم.
من جانبي لم أترك هذا الأمر ليمضي دون علم اخوتي في قيادة الدولة والحركة لما له من أثر سلبي على علاقاتي بهم وبين أهلي وعشيرتي إذ سمعت هذا الخبر من المواطنين وقد كنت بقريتي لأداء واجب العزاء في زوجة أخي. فاتصلت بكل من دكتور الترابي والمشير الزبير محمد صالح نائب الرئيس واللواء معاش الفاتح عبدون، وطلبت المواجهة مع السيد الوالي اللواء الحسيني وقد تم اللقاء بحضور الدكتور الترابي والمشير الزبير محمد صالح واللواء معاش الفاتح عبدون وعدد من الإخوة القياديين من الولاية لأتعرف وإخواني على أسباب الإعفاء. فقدمت مرافعتي مشفوعة بالمستندات التي أوضحت فيها تصرف الوالي في غيابي في الشؤون المالية ورغم أنه لم ينفي ما ذكرت فقد وُجه له سؤال عن الذي بيني وبينه حتى يوصي باعفائي فقال لهم :ود الفضل خطواته بطيئة. هنا طلب الأخ أحمد هارون وكان من بين الحضور الفرصة للتعليق، فذكر أن الذي يجعل حركة ود الفضل بطيئة كما يزعم الوالي هو انشغال ود الفضل بردم الحفر التي كان يحفرها الوالي في حركته السريعة حتى لا تعوق مسيرة الولاية. والحق يقال أن السبب الرئيسي ليس ردم الحفر فقط وإنما تغييبي المتعمد من قبل الوالي والذي يفسح له المجال وهو يتولى وزارة المالية أن يفعل ما يشاء، الأمر الذي لن يجد الموافقة مني، وهذه هي الحفر الرئيسية التي يمكن أن تعيق مسيرة الولاية الراشدة، والتي تحدث عنها الأخ أحمد هارون وبشجاعته ونصيحته المعروفتان.
نواصل

تعليقات
Loading...