محمد طلب يكتب : أقصى اليمين

الخرطوم :مرايا برس

بمجرد الاطلاع على العنوان يتبادر إلى ذهن القارئ ان الحديث سوف يكون عن السياسة واليمين واليسار والمتطرف منهما والمعتدل…

و لا انفي ان المقال له علاقة بالسياسة وربما يكون بطريقة ما في لبها يغازل الاحداث ويدرك واقعها ويطعن كبد الحقيقة…

خطر لي هذا العنوان اثناء قيادتي السيارة بالامس في مشوار اُسري… وانا على طريق سريع به اكثر من (مسار) والعربة التي امامي (تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل) رغم انها لا غراء ولا فرعاء ولا مصقول عوارضها، بل (كركعوبة) قال عنها الحلمنتيش

(عربيتي الكركعوبة الحضرتي عرس حبوبة دركسونك ما بتلفة
و سواقك داير سفة). 

وهذه ليست المشكلة فقد ركبت اسوأ منها لكني كنت (التزم اليمين) واحترم قدرات السيارة و مهارتي (كقائد) … المشكلة، انه رغم الاشارات الضوئية الصامتة والتي تحولت إلى اشارات صوتية حتى يتم فتح الطريق و(التزام اقصى اليمين) لكن كل ذلك لم يجد سوى(الطناش) ليس ذلك فحسب بل تحول الامر إلى مكايدات و( فرامل) كادت ان تتسبب في حادث كبير… تجاوزته وتقاضيت دون (كواريك) او انزعاج و ازعاج وحرق اعصاب ولا ادري كيف حدث ذلك ربما احترامأ لكبار السن الذين، كانوا بصحبتي وابدوا انزعاجا كبيراً. 

ظللت بقية الرحلة افكر فيما حدث واسقطه على الاوضاع السياسية فوجدته يشبه بشكل كبير ما حدث مع حكومة حمدوك الأولى وصرت اعقد مقارنات بين الحركة المرورية والحركة السياسية في بلادنا الحبيبة…… فخطر لي د. اكرم والبدوي والقراي وغيرهم ممن حملوا وعملوا على خلق تغيير جوهري وهم اشبه بأفخم الماركات الامريكية والالمانية واليابانية لكن الكوامر والهناتر بل حتى الكوارو والركشات الصغيرة اعاقوهم ولم يفسحوا لهم الطريق (اقصى اليسار). 

سبحان الله وجدت وجه الشبه كبير جدا بين (الحركة المرورية) و (الحركة السياسية) بدرجة لاتصدق، ووصلت لقناعة تامة لتشابه الحركة المرورية مع الحركة السياسية بالسودان، فمن الطبيعي جدا ان ترى في السودان هنتر او هيلمون من الخمسينات يتبختر علي (اقصى اليسار) و يعيق طريق (الجاكوار) واخواتها من( الكبار) …

عزيزي القارئ الان ماعليك الا ان تتخيل المواقف في (الحركة المرورية) التي مررت بها وتعيد قراءتها ومقارنتها مع( الحركة السياسية) في السودان.

من جانبي اعتقد ان البنية التحتية (للحركة المرورية) والاجهزة النظامية القائمة على امرها تحتاج لتأهيل كبير… واغتاظ جدا عندما اسمع احدهم يتحدث عن انجازات (الانقاذ) خلال الثلاثين سنة( شوارع وكباري) حقاً انه شئ مضحك جداً وهل يعتقد ان هذه كباري وشوارع صالحة للسير وذات مواصفات عالية!!!! وكل من شاهد البنية التحتية (للحركة المرورية) في الدول الراقية والملتزمة سوف يدرك انها لم تكن سوى مشاريع (مأكلة) اثقلت كاهل الدولة بالديون او (منح) دخل اكثر من نصفها (الجيوب) وما بقي شكل هذه (العيوب) التي يقال عنها (شوارع مسفلتة)… وبالمقارنة سنجد ان البنية التحتية (للحركة السياسية) تحتاج لذات الاصلاحات التي تحتاجها (الحركة المرورية).
نتمني ان تكون هذه الثورة وشبابها وشيوخها بنية تحتية قوية يلتزم فيها (اليمين) يمينه و (اليسار) يساره كي تنساب (الحركة) ونستمتع (بالرحلة)

ليس من المعقول سيارة تعمل لاكثر من ثلاثين عاماً وما زالت تريد ان تلتزم (أقصى اليسار) والانفراد بالطريق والخط السريع!!!

وليس من المقبول عربة (دورت بالمنفلة) تريد السيطرة على الطريق وتعيق حركة الحداثة والتطور و(المنفلة) في السياسة نقصد بها (الانقلابات العسكرية)

عزيزي القارئ لاشك انك بالمقارنات بين الحركة المرورية والسياسية قد وصلت لقناعات بالتشابه الكبير بين الحركة المرورية والسياسية وانت ترى (الكوامر) والسيارات المتهالكة والقديمة تتبختر في أقصى يسار الطريق والاغرب ان ترى موتر او ركشة وربما كارو يلتزم أقصى يسار الشارع (انه الموت). 
من المعلوم في قوانين المرور ان الشاحنات وعربات النقل الكبيرة اجباري ان تلتزم (أقصى اليمين) وممنوع ان تفارقه اطلاقاً… ووجودها أقصى اليسار يعد جريمة كبيرة ومخالفة عظيمة…

والان اظن انك متى ما وطئت اقدامك دولة ووجدتها تلتزم حركة مرورية سليمة ولاحظت انسياب في الحركة المرورية والتزام بالقانون واهل (اليمين) يلتزمون اليمين والاحق باليسار يلتزم (اليسار) وحتى في (حالات الاختناق) المروري تجد انه اختناق منظم فاعلم ان هذه الدولة منظمة في (حركتها السياسية) وبالتالي كل الامور تمشي حسب اللوائح والقوانين التي تجد احتراماً منقطع النظير

إلى متى يظل هذا (الاختناق) السياسي في بلادي الحبيبة نصيحتي للساسة الالتزام بقوانين (المرور) الذي ترونه في الدول الراقية وامامكم اكثر من (مسار) فليسلك كلٌ مسلكه وطريقه والبطئ يفسح للسريع ولا شك انه طريق متعدد المسارات وله محطة سوف يصلها الجميع. 

سلام

تعليقات
Loading...