الناقد المسرحي السر السيد يكتب :مكي سنادة.. اكثر من حياة!!.

الخرطوم :مرايا برس

حكت لي الناشطة المعروفة في مجالات السياسة ومجالات المرأة الأستاذة “نور محمد عثمان” وهي تتداعى عندما استضفتها مع اخريات في برنامج “منديل حرير” الذي قدمته الإذاعة القومية في عيد من الأعياد ..حكت لي وهي تصف الفترة التي تفتح فيها وعيهن كنساء في مقتبل العمر عن كيف كانت هي والكثير من بنات جيلها يذهبن الى المسرح القومي الذي وصفته بالمكان الذي علمها الكثير ليشاهدن “مكي سنادة” في مسرحية المنضرة او خطوبة سهير او غيرهما من المسرحيات وقالت بالحرف الواحد انهن كن يتعمدن الإنتظار ويسعين سعيا لمصافحة مكي سنادة..هذه الشهادة اشارة بليغة لنا نحن الأجيال اللاحقة من المسرحيين وربما لي انا بصفة خاصة لقيمة ولموقع مكي سنادة في مسيرة المسرح السوداني والدراما السودانية ذلك الموقع الذي لم يقدره بعضنا كما ينبغي لتقديرات مختلفة لا ينقص اكثرها حسن النوايا.. كواحد من الأجيال المسرحية اللاحقة لمكي سنادة ومن الذين اتيح لهم ان يشاهدوه في التلفزيون ويسمعوه في الإذاعة ممثلا ويشاهدوه فى المسرح ممثلا ومخرجا كنت دائم التفكير والتساؤل عن الكيفية التي يختار بها مكي سنادة الأدوار التي يمثلها ولعل الدافع لهدا التفكير والتساؤل هو كثرة تلك الشخصيات وتنوعها واختلافها فبعضها من نوع الشخصيات الدرامية التي يمكن وصفها بذات البعد الواحد وبعضها يمكن وصفه بالشخصيات المركبة وبعضها يراوح بين هذه وتلك ولن انسى هنا ما حييت المرة الأولى التي شاهدته فيها ممثلا على خشبة المسرح القومي وكان ذلك فى مسرحية “سفر الجفا”,لن انسى تلك اللحظة وانا اشاهده وهو يعبر بالمسرحية الى أعلى درجات الصراع والتوتر واعني هنا ذلك المشهد الذي يقف فيه امام القطار في اشارة الى ايقافه حتى لا يأخذ ابناءهم الى المدينة كما اخذ ابنه ” حسن ” الذي ذهب الى المدينة وتنكر الى اهله ولم يعد يسأل عنهم فكان سفره هو سفر الجفا ثم تمر الأيام واسمعه في تمثيلية “التقرير الأخير ” التي اخرجها صلاح الدين الفاضل وكانت مقررة علينا في المعهد العالي للموسيقى والمسرح ضمن مادة فن الدراما الإذاعية …في التقرير الأخير رأيته ولا اقول هنا سمعته فقد كان ببراعته يجعلك تراه فشعرت بالفارق بين شخصيته في سفر الجفا وهي شخصية رجل قروي ومزارع بسيط وشخصيته في التقرير الأخير تلك الشخصية المركبة فهي شخصية شاب من المدينة (متعلم) يمكن وصفه بأنه يعاني انفصاما في الشخصية وفوق هذا مثقف ثقافة رفيعة ومدركا لما يدور في مجتمعه والعالم حوله..انه “خليل ابراهيم جار النبي” فكما عبر بنا مكي سنادة في سفر الجفا الى تلك اللحظة التي تتجلى فيها روح الممثل في بلاغتها هاهو يتسلل بنا الى عوالم شخصية خليل وتقلباتها فهذه الشخصية التي تتحرك في تقاطعات زمنية بين الماضي والحاضر وتقاطعات بين الخيال والواقع لا يمكن ان تكون الا شخصية تقف على حافة الجنون وهي الحافة التي اوقفنا فيها مكي وهو يحلق بنا في حرفية عالية في إدارة الصوت وفي براعة الأداء ثم تأتي”مسرحية خطوبة سهير” في المسرح القومي واشاهده للمرة الثالثة وهو يمثل شخصية والد سهير الذى هو “خليل” ..الرجل الذى قضى جزءا من حياته موظفا في الحكومة تحت الاستعمار الانجليزي المصري .الرجل الذي تعمد ان يغيب عن الوعي وان يفارق الواقع بسبب السكر فهو مدمن من الطراز الأول وبسبب هذا الإدمان تسبب في افشال خطوبة ابنته الوحيدة سهير ولكنه من جانب اخر عمل على كشف زيف العلاقات الإجتماعية وعلى كشف نمط التدين المتزمت وما يسببه من قمع للنساء ومن مصادرة أية فرصة للتسامح وللحقوق الخاصة..شخصية خليل كما جسدها مكي سنادة تجسد بجدارة ما يعرف بالكوميديا السوداء فعلى الرغم من النهاية المأساوية لمستقبل ابنته الخاص وبالرغم من ما عاشه خليل من فشل ومعاناة الا انه في احيان كثيرة كان مصدرا للأمل وللفرح لابنته ومستودعا للكثير من الحكم والأفكار الصائبة التي تجعل المشاهد متعاطفا معه ومنحازا له في الكثير من المواقف..هذه المشاهدات الأولية والقليلة للممثل مكي سنادة هي ما جعلتني ابحث عن هذا الأرشيف الغني واتعرف على شخوصه خاصة في الدراما الإذاعية والتي يحتل فيها مكي سنادة الموقع المتميز كما وكيفا لأصل الى ان الممثل مكي سنادة عاش اكثر من حياة من خلال تجسيده لتلك الشخوص المتنوعة ومنح في نفس الوقت اكثر من حياة لتلك الشخوص التي جسدها والى هنا اقف عند هذا المدخل على وعد بتفاصيل اكثر حول حيوات الممثل مكي سنادة الكثيرة والمتنوعة.

تعليقات
Loading...