في أدب السيرة.. الأستاذ ود الفضل يكتب :محطات في مسيرة الحياة (٣٤)

الخرطوم :مرايا برس

ان خيارات الاحتمال الأول الذي ذكرناه آنفاً، كارثية لأن استلام قرنق للسلطة يعني قيام دولة علمانية عنصرية مسيحية متعصبة بدلالة تصريحات قرنق التي تحدث فيها عن سودان خالٍ من العروبة والاسلام فهو الذي تنسب اليه عبارة أن العرب والمسلمين مكثوا في الاندلس ثمانمائة عام ثم اخرجوا منها، والعرب والاسلام تاريخهم في السودان لم يتجاوز الستمائة عام .
ويعضد هذا قول منصور خالد عراب الحركة الشعبية بأن على السودانيين ان يهيئوا انفسهم لحاكم مسيحي زنجي.
أما البعثيين فأكثر حقداً وتاريخهم دموي ولا يحتاج ذلك لدليل أكثر من حملة الابادة التي شنها حافظ الأسد على حماة وشنها ابنه بشار بنفس العنف والقسوة والابادة على الشعب السوري.
والناصريون والقوميون العرب حلفاء البعثيين لا يقلون سوءاً عن سابقهم وتجاربهم في مصر واليمن وتونس وليبيا أكبر دليل على سياسية البطش والعنف والدموية
أما المتربصون من بعض دول الجوار والاستكبار الذين يحشرون انوفهم في الشأن السوداني ويجندون العملاء في الاجهزة الامنية والاستخباراتية وضعفاء النفوس من بعض الضباط فلا يرغبون في السودان وأهله إلاً ولا ذمة فهدفهم هو نهب خيراته واذلال شعبه.
كما ان انهيار السلطة سيؤدي بالتأكيد إلى فوضى وانفلات امني تضيع فيه الأنفس وتزهق فيه الأرواح وتنهب فيه الممتلكات وتنتهك فيه الأعراض.
هذه الشرور المتوقعة من خيارات الاحتمال الأول صرفها الله عن السودان لمدة ثلاثين عاماً هي فترة الإنقاذ والا كان السودان حتى الآن في خبر كان فأعتبروا يا أولي الأبصار.
أما عن الاحتمال الثاني فسوف يؤدي لتقويض الديمقراطية لأن اصطفاف كل الأحزاب بصرف النظر عن خلافاتها العقدية والسياسية لتسقط منافساً لخلاف فكري فلن تؤدي نتائجه إلى استقرار وأمن لأن زعزعة الثقة في تبادل السلطة عبر صندوق الانتخابات حتما تؤدي للفتنة والفوضى وقد اعاذنا الله منها.
وعليه يظل الخيار الأمثل هو الانقلاب العسكري الذي تلتف حوله القوات المسلحة والاجهزة الامنية حماية له من الاختطاف الذي حدث للإنقلاب ضد الإنقاذ والذي أحال حياة الناس إلى جحيم لا يطاق فجانب القوات المسلحة مأمون وقد جربه الناس في عبود والنميري وسوار الذهب فلم يزعزع أمن البلاد ولا استقرارها ولا تدمير هويتها وقيمها ولا فرق بين المواطنين بعصبية قبلية ولا اثنية ولا آيدولوجية كما يحدث الآن.
في هذا المنعطف الخطير والترقب الحذر على مآلات البلاد تقدم فصيل من القوات المسلحة ليأخذ بيد البلاد قبل ان تسقط لقمة سائغة لهوام الأرض الذين لا يرقبون في وطن ولا مواطن إلاً ولا ذمة،بقيادة العميد عمر حسن “هكذا أعلن عن نفسه” لحاجة فيها. وقد تم ذلك بيسر بتوفيق من الله لينقذ البلاد من السقوط في الهاوية التي تتدحرج نحوها بمصفوفة هندسية ثم بمآلات الوضع المأزوم للقوات المسلحة التي فقدت سند الحكومة المعنوي والمادي لدرجة ان أحد زعامات حزب الأمة حينما ذكر له ان الجكو سقطت في آيدي التمرد رد بقوله لقد سقطت قبلها برلين متجاهلا القوة التي استشهدت وهي تدافع عن تراب وطنها في حامية الجكو.
في بادئ الأمر اكتنف الغموض هوية الانقلاب بسبب اعتقال كل قيادات الأحزاب بمن فيهم قيادة الجبهة الإسلامية ليجد الصادق والميرغني ونقد والترابي انفسهم في سجن كوبر.
ومما زاد الأمر غموضا سرعة الإعتراف المصري بالانقلاب اثر رسالة بعث بها السفير المصري بالسودان ظنا منه أن عمر حسن هو الضابط الذي تعول عليه مصر للقيام بانقلاب لصالحها وهذا يبدو سر إختصار اسم العميد عمر حسن أحمد البشير على عمر حسن فقط ليحدث هذا اللبس. وليكشف دور الاستخبارات الأجنبية في تدخلها السافر في الشؤون السودانية،
هذا الإعتراف المصري أدى إلى سلسلة اعترافات خاصة من الدول العربية قبل أن يدرك الجميع هوية الانقلابين فينقلبوا ضدهم بعداء سافر تمثل في تزويد حركة تمرد قرنق بالاسلحة والذخائر خاصة من مصر والسعودية.
ادرك كثير من المراقبين ان هذا الانقلاب جرى التخطيط له بدقة وذكاء ولم يكشف أمره إلا من خلال عبارة “تذهب للقصر رئيساً واذهب للسجن حبسياً” والتي تنسب للدكتور الترابي رحمه الله. ومما أكد صحة هذا الظن سرعة المواءمة الدستورية والقانونية التي صاحبت الانقلاب.
وتأتي مهمة التنوير بهذا الانقلاب داخلياً وخارجياً والأسباب والمبررات التي ادت له لتكشف عن هويته.
وكان عن نفسي ان اكلف بالتنوير الخارجي للمغتربين الاسلاميين في الدول العربية موضحاً تأييدنا له ووقوفنا لجانبه كخطوة جنبت البلاد مخاطر جمة.
لقد اجتهد المحللون من الكتاب والصحفيين لمعرفة هوية الانقلاب والانقلابيين ومن بين هؤلاء الصحفي المصري عادل حسين والذي بعد زيارته للسودان ولقائه بمجلس قيادة الثورة كتب مقالاً ذكر فيه أنه وجد بالسودان في قيادة الثورة الصحابة الجدد تواضعاً وخلقاً وسلوكاً والتزاماً ووعياً .
كما اكتسب الانقلاب تأييداً شعبياً كاسحاً خاصة في زيارتهم لسنار حيث كان الأمر فوق التصور حشداً وحماساً .

تعليقات
Loading...