مؤتمر التعدين بجنوب كردفان : الطريق الصحيح للتعدين الآمن ورضا المواطن

كادقلي :أحمد كنونة

لا شك أن ظهور الذهب بأرجاء ولايات السودان فى أعقاب خروج البترول عن الميزانية العامة للدولة بإنفصال دولة جنوب السودان قد أسهم في الإستقرار النسبي للإقتصاد السوداني برغم المشاكل والتحديات التي تواجه قطاع التعدين خاصة عدم الوضوح والشفافية في الإنتاج التي تمارسها بعض الشركات والمواد التي تستخدمها  سواء في التنقيب أو المعالجة لمخلفات التعدين التقليدي (الكرته) بالإضافة إلى عدم وضوح نسب التوزيع للأنصبة بين الشركة السودانية للموارد المعدنية والولايات والمحليات والمجتمعات المحلية في جانب المسؤولية المجتمعية بجانب الرفض الذي ظلت تواجهه الشركات من المجتمعات لأسباب مختلفة فتح المجال للتهريب وإهدار الموارد في هذا الجانب .
وتعد ولاية جنوب كردفان واحدة من أهم الولايات الغنية بالموارد المعدنية وفي مقدمتها الذهب المنتشر في العديد من المناجم يكاد يكون بكل محلياتها السبعة عشرة إلا أنها تخلفت عن ولايات الشمالية ، نهر النيل والبحر الأحمر لجملة من التحديات المتمثلة في رفض بعض الأهالي لشركات التعدين للعمل بل وصل لدرجة حرق بعضها والإحتجاجات الكثيرة من البعض وتأليب الآخرين وتحريضهم على بعض الشركات لدواعي حزبية أو سياسية أو شخصية جعلها تقبع في المرتبة الرابعة بالرغم ما بها من كميات في باطن الأرض وظاهرها في أكوام الكرتة التي ضاقت بها المناجم وتحتاج إلى معالجة عاجلة للإستفادة من كميات الذهب بها وإنهاء أضرار الزئبق .
وحسناً فعلت وزارة المعادن الإتحادية والشركة السودانية للموارد المعدنية لعقد مؤتمر التعدين الأول بولاية جنوب كردفان تحت شعار : (شركاء في الإنتاج، التعدين مسؤولية توطين ونهضة تنموية لجنوب كردفان) . والذى بدأت جلساته يوم (الأحد) وتستمر حتى(الثلاثاء) بحضور وزير المعادن الأستاذ محمد بشير عبدالله أبونمو ووالي الولاية المكلف الأستاذ موسى جبر محمود ونائبه مولانا الرشيد عطية جبلين ولجنة أمن الولاية وجهازها التنفيذي ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية الأستاذ مبارك عبدالرحمن أردول ومدير الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية المكلف المهندس عثمان حسن وعدد من أصحاب الشركات والمهتمين بشأن التعدين وعدد من المشاركين من المحليات المنتجة وعدد من الخبراء والعلماء في المجال ولفيف من الصحفيين والإعلاميين. 
سيناقش المؤتمرين على مدى ثلاثة أيام حزمة من أوراق العمل العلمية التي يقدمها عدد من العلماء والخبراء بغية الوصول إلى توصيات في ختامه لترسي قواعد وسياسات واضحة لمستقبل التعدين بالولاية وهو بهذا يعتبر الطريق الصحيح للتعدين الآمن ورضا المواطن.
وأكد وزير المعادن الإتحادي الأستاذ محمد بشير عبدالله لدى مخاطبته الجلسة الإفتتاحية أن الوزارة إختارت التوافق الإجتماعي مدخل للصناعة التعدينية الآمنة وإنصاف المجتمعات المحلية. وقال خصصنا هذا المؤتمر الذي يعد الأول من نوعه بجنوب كردفان لأصحاب المصلحة الحقيقيين للوقوف على قضية مواردهم وإمكانية تكوين وجهات نظر لتبني مشروعات تنموية ووضع خطط إسعافية تجسر الهوة وتعطي الشعوب الإستفادة من مواردها المتاحة برعاية الوزارة وفرصة لنهضة الولاية التي أقعدتها الحرب كثيراً . وأضاف قائلاً : أن المؤتمر يضع أمامكم مسؤولية جسيمة لمعالجة كافة القضايا والإجابة على العديد من التساؤلات المهمة التي لها إرتباط بعملية التعدين وتطويرها والمحافظة على البيئة والسلامة الإجتماعية وأن الإجابة على تساؤلات المواطنين ترتقي بالمسؤولية التعاقدية التي يحكمها القانون والمواثيق والمعاهدات. وأشار إلى إصدار الوزارة للقرار رقم (90) لسنة 2022 بالتنسيق مع وزارة المالية لحفظ حقوق المواطنين والإستفادة من إيرادات التعدين حسب نصيب كل من الولاية والمحلية والمجتمع المحلي. وأعرب عن أمله في أن يخرج المؤتمرين بتوصيات تحقق آمال وتطلعات أهل الولاية في التنمية المستدامة وتعدين آمن وبيئة خالية من كل آثار الثلوث البيئي الذي يضر بالإنسان والحيوان. موجهاً مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية بدفع مبلغ عشرين مليار جنيه لحل مشكلة المعلمين بالولاية المضربين عن العمل للإسبوع الثاني على أن يتم خصم هذا المبلغ مستقبلاً من إيرادات الولاية.
من جانبه رحب والي الولاية المكلف الأستاذ موسى جبر محمود بقيام المؤتمر بولايته . ووصفه بالفني والعلمي والمهني. وقال نستضيفه لقناعتنا الراسخة بأهميته وظللنا لسنوات عديدة ننادي بقيام مؤتمر للتعدين لوضع سياسات وموجهات لتوحيد الرؤى وتقارب الآراء المتباينة . وتوقع أن يضع هذا المؤتمر المتخصص معالجات للإشكالات القائمة والقضايا المتعلقة بالتعدين وظلت عالقة لفترات دون حلول بالإضافة إلى إجابته للعديد من الأسئلة الحائرة في أذهان بعض أهل الولاية. وأشار إلى إمكانية إنهاء المؤتمر للتجاذب والتباعد بين المستويات العاملة في التعدين ليتناغم الأداء الذي يجني المواطن فوائده في المرحلة المقبلة . وتساءل جبر ماذا عن الأثر البيئي للتعدين؟ وماهو جديدكم كمؤتمرين؟ هل من طمأنينة تبثونها وسط المواطنين بقيام مؤتمركم أم نعود لمربع الإعتراض؟ وإستدرك إن لم نجيب على هذه التساؤلات بشجاعة ستظل التحديات في هذا القطاع قائمة. وقال التعدين في حد ذاته لا خلاف حوله ولكن الخلاف في مخلفاته وكيفية إستخلاصها وطرق معالجتها. ودعا إلى إدخال التكنولوجيا المتطورة والطرق العلمية الحديثة الصديقة للبيئة والتي تحافظ عليها والإستفادة من تجارب البلدان التي تصدرت القائمة في مجال التعدين وبعض ولايات البلاد في حين مال الأهل في ولايتنا للإحتجاجات والإجتهادات غير المسنودة بدليل. كما دعا إلى ضرورة إستصحاب إتفاقية جوبا لسلام السودان في مرحلتي المداولات والمداخلات وصياغة التوصيات. وشدد على ضرورة وضع حزمة من الإعتبارات أجملها فى الآتي: أن حكومة الولاية هي القيم على الأرض ولها تؤول ملكيتها لأنها تمثل مواطنها ولسان حاله المعبر عنه ، المكونات المجتمعية قبائل وعشائر على مستوى المحليات هم سكان أهل الولاية ولا ينبغي لمؤسسة أن تحول بين حكومة الولاية والمحلية ومواطنيها فالأرض شأن ولائي ومحلي، الحكم المحلي أهم مستويات الحكم الثلاث وهي القاعدة الأساسية، بخصوص مربعات الإمتياز يحب أن يبدأ التصديق المبدئي من المستوى الإتحادي وتأكيد خلو الأرض من النزاعات عبر الولاية ، إدارة المجتمعات حق أصيل للمحلية والولاية ولا يجوز التعامل مباشرة إلا عبر الأجهزة المختصة بالولاية والمحليات ، إيقاف تصاديق الشركات التي لا تعمل بالنظم المغلقة وإلزام الشركات العاملة الآن بتحديث مصانعها وآلياتها المستخدمة حتى تبث الطمأنينه لدى المجتمعات ، الإيفاء بمشروعات المسؤولية المجتمعية وكذلك إيفاء الشركات بماتم الإتفاق حوله من مشروعات وخدمات للمجتمع ، منع الشركات منعاً باتاً من التدخل في شؤون المحليات أو المجتمعات إلا من خلال ممثلين لحكومة المحلية أو الولاية من ذوي الإختصاص أي الوزارة ، وتمنع كذلك من دفع أي مبالغ لأفراد المجتمعات أو القبائل دون معرفة أو علم من الجهات المعنية بالتعدين أو حكومة الولاية ، التركيز على التعدين وإستخلاص مخلفاته بالنظم الدولية الحديثة.، ضرورة معرفة نصيب الولاية من الفضة التي لا توجد لها إجابة منذ العام 2015 ، عدم مزاولة التعدين في مناطق النزاع القبلي إلا بإذن مكتوب من لجنة أمن الولاية بناءاً على توصية من لجنة أمن المحلية حتى لا تندلع الأحداث بسبب التكالب على حقوق الآخرين ولا يكون التعدين طرفاً في صراع الموارد . وطالب جبر بمراجعة القرار الوزاري رقم( 90) وإستعراضه أمام المؤتمرين لما دار حوله من جدل وضرورة مواءمته بإتفاق جوبا لسلام السودان مع البند 16/1 قسمة الموارد بين الطرفين الذي يقرأ يقسم الدخل من عائدات الموارد الطبيعية والثروات المستخلصة والدخل الضريبي بالولاية أو الإقليم والضرائب المفروضة بالولاية أو الإقليم بنسبة 40% لحكومة الولاية أو الإقليم ونسبة 60% للحكومة القومية لمدة عشر سنوات .
من ناحيته إعتبر نائب والى الولاية مولانا الرشيد عطية جبلين المؤتمر فاتحة خير لشعب الإقليم . وقال نأمل أن تكون هنالك إجابات واضحة من القائمين على أمر المؤتمر والمؤتمرين حول أسئلة العديد من المواطنين ومنظمات البيئة وكل من له مخاوف حول معايير السلامة والحماية في مواقع التعدين وإمكانية تشغيل أبناء الولاية في الشركات العاملة في مجال التعدين بالإضافة إلى المسؤولية المجتمعية للشركات تجاه المناطق والمحليات . معرباً عن أمله في أن تجد هذه الأسئلة إجابات شفافة حتى تأخذ الولاية مكانها الطليعي في التعدين الآمن .
وفي السياق قال مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية الأستاذ مبارك أردول جئنا لمناقشة قضية مهمة والتوافق جميعاً على المطلوب منا في المرحلة القادمة لمعالجة قضايا التعدين بجنوب كردفان. وأشار إلى أن بها أكثر أسواق التعدين بالسودان تصل إلى حوالى عشرين سوقاً وحسب إحصائيات العام 2019 حوالى 12شركة للتعدين بينها 10 متوقفة و2 متعثرة . وأقر أردول بأن التعدين بالولاية في الفترة السابقة شابه الكثير من الأخطاء. وقال لا ينبغي أن نتجاهل الإحتجاجات لأنها تعود للممارسات غير الرشيدة والطرق غير السليمة في قطاع التعدين مما أدى إلى توقفه بالولاية وأعلن عن إعتذاره لكل المواطنين في مناطق التعدين والمجتمعات المحلية على السلوك التعديني غير السليم في الفترة الماضية . وأكد نريد بهذا المؤتمر الإنطلاق للأمام ونقل المواطنين من الإحتجاج إلى العمل الجاد من خلال الإتفاق على سياسات التعدين عبر مؤتمر جامع لتبادل الخبرات بين المستهدفين والخبراء والعلماء والإستفادة من تجارب بعض الولايات توطئة للبداية الصحيحة للحكومة والمواطنين والشركات والمستفيدين وأصحاب المصلحة . مؤكداً بأن الطريق لمستقبل التعدين بالولاية نرسمه بنهاية المؤتمر وتسليم توصياته للجهات المسؤولة بالدولة ونكون كلنا ملتزمين بها .
مؤتمر بهذا الحجم هل إستوعب الأصوات العالية في الفترة الماضية والتي تحتج بمجرد الحديث عن التعدين؟ وماذا عن مطلوبات المجتمعات المحلية خاصة فيما يلي المسؤولية المجتمعية؟ وكيف يمكن إقناع المجتمعات بجدوى الشركات الحديثة وضرورة دخولها لمعالجة مخلفات التعدين خاصة الكرتة؟ وما هو موقف الحكومة مع بعض الرافضين؟ وماهو الدور التوعوي المنتظر من الشركة السودانية للموارد المعدنية أن تلعبه في المرحلة المقبلة وتحقيق الإنتشار في كل المناجم والأسواق بالمحليات؟ وماهو المطلوب من المواطنين حيال الشركات وضرورة التفريق بين المصلحة العامة والخاصة؟ وهل المؤتمر في حد ذاته قادر على تسهيل مهمة أن ينساب التعدين بسلاسة دون أي تحديات أو معوقات أم أن الأمر بحاجة إلى فرض هيبة الدولة؟
على كل نأمل أن تجد هذه الأسئلة وغيرها إجابات لدى المؤتمر وأن ينطلق بعده المؤتمرين للتبشير بمخرجاته لدى مجتمعاتهم بالمحليات ويكون ذلك سبباً للتعدين الآمن ورضا المواطن وتتحق بموجبه مشروعات التنمية والخدمات والنهضة بالولاية وعموم البلاد .

تعليقات
Loading...